19 - 12 - 2025

كيفية التربح من العمل الوطني

كيفية التربح من العمل الوطني

(العمل الوطني التطوعي من تقاليد فتح إلى الدور الوطني لمنظمة التحرير)

لم يكن العمل الوطني العام التطوعي يومًا نشاطًا ثانويًا في التجربة الفلسطينية، بل كان جزءًا أصيلًا من بنية الحركة الوطنية نفسها. فمنذ بدايات الكفاح الفلسطيني المعاصر، لم تُبنَ حركة التحرر فقط بالبندقية أو السياسة، بل بشبكة واسعة من الأفعال المجتمعية الصامتة التعليم الشعبي، الإغاثة، التنظيم القاعدي، وحماية النسيج الاجتماعي في مواجهة الاقتلاع.

في هذا السياق، لعبت حركة فتح، ومن بعدها منظمة التحرير الفلسطينية، دورًا مركزيًا في ترسيخ فكرة أن النضال ليس فعلًا عسكريًا أو تفاوضيًا فحسب، بل عملية شاملة لبناء الإنسان الفلسطيني القادر على الصمود. لم يكن العمل التطوعي آنذاك فعل إحسان، بل ممارسة سياسية بالمعنى العميق تنظيم المجتمع ليبقى حيًا، واعيًا، ومتماسكًا.

خلال مراحل التأسيس، شكّلت الأطر الشعبية والاتحادات والنقابات واللجان القاعدية إحدى ركائز المشروع الوطني الذي قادته منظمة التحرير. كان المتطوع جزءًا من حركة التحرر، لا هامشًا لها. المعلم، والطبيب، والطالب، والناشط الثقافي، جميعهم كانوا شركاء في معركة الوجود، كلٌّ من موقعه، دون انتظار مقابل أو تكريم.

غير أن التحولات الزمنيه أدخلت العمل الوطني التطوعي في مأزق مركّب. واشكاليات بسبب بحث الكثير  من الافراد عن منفعة خاصة والسعى للبحث عن النفع المادي الشخصي على حساب المشروع الوطني. في هذا التحول، لم يتضرر العمل التطوعي فحسب، بل أيضاً جزء من المعنى السياسي الذي حملته فتح تاريخيًا كحركة تحرر وطني واسعة، لا كإطار سلطوي أو إداري.

المشكلة ليست في التنظيمات ولا في المؤسسات بحد ذاتها، بل في انزلاق العمل العام من كونه فعلًا وطنيًا مستقلًا إلى كونه مجرد نشاط. هكذا، جرى في كثير من الأحيان تفريغ التطوع من بعده الكفاحي.

العمل الوطني التطوعي الفلسطيني لا يمكن أن يكون محايدًا في سياق احتلال، ولا يمكن أن يُفصل عن مشروع التحرر. وهو لا يُستخدم لتغطية العجز السياسي، ولا ليحلّ محل الحقوق الوطنية، بل ليحمي المجتمع من الانهيار حين تتعثر السياسة. من هنا، فإن الدور التاريخي لمنظمة التحرير وحركة فتح يظهر عبر إعادة الاعتبار للعمل التطوعي بوصفه رافعة وعي وتنظيم، لا واجهة علاقات عامة.

كما أن آليات العمل تتطلب مراجعة صريحة للعلاقة بين التنظيم والمتطوع. فالكادر الوطني ليس وقودًا يُستهلك، بل طاقة يجب حمايتها وتنظيمها. والتطوع لا يعني الإنهاك الدائم ولا التضحية العمياء، بل فعلًا منضبطًا طويل النفس، يُراكم الأثر بدل استنزاف البشر.

في اللحظات المفصلية، لا تُقاس قوة الحركات الوطنية بعدد بياناتها، بل بقدرتها على البقاء داخل مجتمعها، والتفاعل معه، وخدمته دون استعلاء. وهذا ما تقوم به فتح ومنظمة التحرير لترجمة المعنى، لا بوصفه حنينًا إلى الماضي، بل كأداة للمستقبل، يمكن للعمل الوطني التطوعي أن يعود إلى مكانه الطبيعي في قلب المشروع الوطني، لا على هامشه.

فحين يقرر فرد أن يمنح وقته وجهده بلا مقابل لخدمة الصالح العام، فهو لا يملأ فراغًا مؤسسيًا فحسب، بل يشارك عمليًا في إعادة تعريف معنى الوطن

العمل الوطني العام التطوعي ليس نشاطًا جانبيًا ولا ترفًا أخلاقيًا، بل هو أحد المؤشرات الدقيقة على صحة المجتمع وقدرته على البقاء والتجدد

الفرد حين يكون وطنيًا بحق، لا يطلب شكرًا ولا يرفع صورًا، لكنه يحفظ ما هو أخطر المجتمع نفسه. وفي الحالة الفلسطينية، بقاء المجتمع هو الشرط الأول لأي سياسة، وأي مقاومة، وأي أفق تحرري قادم.
-------------------------------
بقلم: حاتم نظمي


مقالات اخرى للكاتب

كيفية التربح من العمل الوطني