إن الريادة التي حققتها مؤسسة العرب للثقافة والفنون على مدار أربعة دورات متتالية تجاوز مفهوم "التنظيم" ليصل إلى مفهوم اليقظة والمعرفة الحقيقية بأهمية احتضان المواهب الشابة وعرض أعمالهم على الساحة التشكيلية. فبينما كانت معظم المؤسسات ترى في الخريجين مجرد أرقام أكاديمية، رأت مؤسسة العرب للثقافة والفنون فيهم قلق المبدع الأول وشرارة التغيير، وأحقيتهم فى تأكيد انفسهم. وأعلن عن تخصيص قاعة ضى المهندسين لعرض جميع مشاريع التخرج على مستوى الجمهورية.
لم يكن الإنتباه مجرد رصد لانتاجهم، بل كان استشرافاً. أن تكون "الأول" في الالتفات لمشاريع التخرج بجميع الكليات والمعاهد المتخصصة، وفك الحصار عن "الفن المحبوس" خلف جدران التقييم، ومنحه حق المواطنة الجمالية في الساحة التشكيلية والمجتمع. وقامت المؤسسة بتحول المشهد الفني من جزر معزولة إلى وحدة عضوية واحدة. لقد أدركت أن روح الإبداع المصري لا تتجزأ، وأن عبقرية الخريج هي المادة الخام لمستقبل الهوية الثقافية.
لقد نقلت المؤسسة "مشروع التخرج" من كونه نقطة نهاية للمنهج، إلى كونه نقطة انطلاق الابداع والحرية. هذا الانتباه هو الذي منح الفنان الشاب ثقة "الاعتراف"، وهي أثمن ما يحتاجه المبدع في خطواته الأولى.
إنها ريادة لا تقاس بالزمن فقط، بل بعمق الأثر؛ فقد أخرجت الفن من قاعات التصحيح الصارمة إلى فضاءات التأمل الحر.
لم تكن رؤية الناقد هشام قنديل رئيس مجلس إدارة المؤسسة مجرد الإكتفاء بعرض الأعمال بل تتويج العرض والمشاهدة إلى مسؤولية فرصد ثلاث عشرة جائزة هذا العام بخلاف الأعوام الماضية كصك اعتراف للفنان الشاب، وتحول تشجيع لجنة الاختيار من مجرد إعجاب عابر إلى دفع مادى ومعنوي يغير مسار الحياة الفنية.
وأعلن قنديل أن هذه الخطوة للدعم بلا مقابل ودون الحصول على العمل الفنى الفائز. لتتحول الجائزة إلى طاقة دفع وحافز يكسر جمود البدايات.
وأعلن قنديل أن جميع المشاركين لهم رؤية وجميعهم يتميزون عن بعضهم بإبداعات جادة. وأن لجنة الاختيار كانت فى حيرة أثناء اختيار الجوائز، فهذه ليست منافسة، بل للارتقاء والجدية والمثابرة. والأساس هى رسالة لكل خريج بأن عين المؤسسة لا ترى السطح الجمالي فقط، بل تبحث عن الاستحقاق الكامن خلف اللون والنحت والخط.
وفي رحاب حديقة ضي بالزمالك، لم يكن حفل تسليم الجوائز مجرد بروتوكول رسمي، بل كان عرسا للجمال تزاوج فيه عبق المكان مع طموح المبدعين.
وبعد افتتاح معرض عبدالحليم رضوى وعدد من الفنانين السعوديين. أعلن عن توزيع الجوائز بحديقة "ضي" بفضائها المفتوح، يعكس رؤية في إخراج الفن إلى النور والحرية. هذه البهجة التى أسعدت الجمهور مع شباب الخريجين وهم يتسلمون جوائزهم في هذا المحفل، حول المشاريع من أوراق أكاديمية إلى أيقونات فنية معترف بها في قلب الوسط الثقافى.
لم يتوقف نجاح المبادرة عند حدود الإعجاب، بل توجته حركة الاقتناء من الجمهور، وهي اللحظة التي يتحول فيها العمل الفنى من "مشروع تخرج" إلى "ثروة جمالية" في وجدان المقتني، وهذا أسمى درجات الاعتراف الذى يمنح الفنان الشاب أول "شهادة ميلاد احترافية" في سوق الفن، ويؤكد أن ذائقة المجتمع قد وجدت ضالتها في روح الشباب. بهذا الاقتناء، تكتمل حلقة الريادة لمؤسسة العرب، ليخرج الخريج من قاعة العرض لا بجائزة فحسب، بل بإيمان راسخ بأن إبداعه صار جزءا من واقع الحياة وبيوت الناس.
------------------------------------
كتب د. سامى البلشى

















