يتردد داخل الأوساط الصحفية المصرية، وبين المهتمين بالشأن العام، تساؤل مشروع حول طبيعة العلاقة بين السلطة التنفيذية والصحافة، في ظل ما يشهده المشهد الإعلامي من تحديات متراكمة تمس حرية العمل الصحفي واستقراره المهني والمعيشي.
فخلال الفترات الأخيرة، بات عدد من الصحفيين يشعرون بأن مساحة الحركة المتاحة لهم في ممارسة المهنة قد تقلصت، مع تزايد حالات الاستدعاء للتحقيق، وطول أمد بعض الإجراءات القانونية، وهو ما ينعكس – وفق آراء متداولة داخل الوسط الصحفي – على مناخ العمل العام، ويدفع بعض الصحفيين إلى توخي الحذر الشديد أو ممارسة قدر من الرقابة الذاتية.
ويشير مراقبون إلى أن تصاعد البلاغات القانونية المقدمة ضد صحفيين من قبل مسؤولين تنفيذيين يُعد من أبرز مظاهر هذا التوتر. ومن بين الوقائع التي أُثير حولها نقاش مهني وإعلامي، البلاغ المقدم ضد الكاتب الصحفي أحمد رفعت، رئيس تحرير موقع إيجيبتك الإخباري، ورئيس مجلس إدارة الموقع منذر الخلالي، وكذلك البلاغ الذي قُدم ضد الكاتب الصحفي والمفكر الدكتور عمار علي حسن. وبغض النظر عن تقييم مضمون المواد محل الجدل، فإن الاعتماد على المسار الجنائي في التعامل مع الخلافات المتعلقة بالنشر يثير تساؤلات حول جدوى هذا النهج مقارنة بآليات الرد أو التصحيح أو الحوار المهني.
ولا تقتصر التحديات التي تواجه الصحفيين على الجوانب القانونية فقط، بل تمتد – وفق ما تعلنه نقابة الصحفيين وبعض المؤسسات المهنية – إلى الأوضاع الاقتصادية للعاملين بالمهنة. فضعف الأجور وطول ساعات العمل، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، تمثل عبئًا إضافيًا يؤثر على الاستقرار المهني والاجتماعي للصحفيين، ويحد من قدرتهم على أداء دورهم بكفاءة واستقلالية.
وفي هذا السياق، أرى أن الأزمة الحالية ليست أزمة مهنة فحسب، بل هي جزء من إشكالية أوسع تتعلق بدور الصحافة في المجال العام. فالصحافة، وفق الأعراف الدستورية والمعايير المهنية، تضطلع بدور رقابي وتنويري، وهو دور يحتاج إلى بيئة قانونية واقتصادية مستقرة تضمن حرية الرأي والتعبير في إطار المسؤولية.
ورغم تعقيد المشهد، يظل الأمل قائمًا في إمكانية معالجة هذه الإشكاليات من خلال حوار مؤسسي جاد، يبدأ بالاعتراف بوجود تحديات حقيقية تواجه الصحافة، وينتهي بوضع آليات واضحة توازن بين متطلبات الأمن القومي وحق المجتمع في المعرفة.
ومن هنا، تبرز أهمية الدعوة إلى فتح قنوات تواصل مباشرة بين الدولة والجماعة الصحفية، عبر لقاءات موسعة أو مؤتمرات مهنية، تُطرح فيها المشكلات بشفافية، وتُناقش فيها سبل تطوير منظومة العمل الصحفي، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، وضمان عدم اللجوء إلى الإجراءات الجنائية إلا في أضيق الحدود ووفقًا للمعايير القانونية المستقرة.
في المحصلة، فإن الحديث عن العلاقة بين السلطة والصحافة لا ينبغي أن يُختزل في اتهامات أو نفي مطلق، بقدر ما يستدعي نقاشًا هادئًا ومسؤولًا حول أزمة ثقة قائمة. وتجاوز هذه الأزمة يظل مرهونًا بإرادة سياسية ومهنية مشتركة، تُدرك أن الصحافة المستقلة والمسؤولة تمثل عنصرًا داعمًا للاستقرار، لا مصدر تهديد له.
------------------------------
بقلم: إبراهيم خالد






