18 - 12 - 2025

قراءة في كتاب | طه حسين "من الانبهار بالغرب إلى الانتصار للإسلام" لمحمد عمارة

قراءة في كتاب | طه حسين

هل حقا تراجع طه حسين "عميد الأدب العربى" عن فكره الذي أثار الجدل والرأي العام؟

كتابه الأشهر - في الشعر الجاهلي ( 1926) - والذي ضمنه أهم أفكاره الصادمة للمجتمع والمؤسسات الحاكمة آنذاك، يعد من أكثر الكتب انتشارا للدكتور طه حسين  والذي طرح فيه رؤيته للشعر الجاهلي وضمنه إنكار لوجود النبي إبراهيم  .

هل صحيح أن الرجل - طه حسين  - تراجع عن كل آرائه؟

تعالوا نتعرف على الإجابة متلمسينها في قراءة هذا السفر الهام للدكتور محمد عمارة.

عرف مؤلف هذا الكتاب بعقلانيته المتزنة وصرامته الشديدة في الكتابة فراح يقدم لنا ثلاث محطات في حياة طه حسين الفكرية.

لعل أولى تلك المحطات بدأت بالتحاقه بالأزهر قادما من قريتة؛ عزبة الكيلو مركز مغاغة محافظة المنيا. لكن مجادلات طه مع علماء الأزهر وتساؤلاته العميقة قد أدت لطرده من الأزهر!

التحق طريد الأزهر بالجامعة الأهلية المصرية والتي كان قد أسسها المفكر الليبرالي أحمد لطفي السيد(١٨٧٢ - ١٩٦٣) وتم افتتاحها ١٩٠٨ وظل لطفي السيد مديرها ورئيسها حتى ١٩٤١م .

سافر طه حسين (١٨٨٩ - ١٩٧٣) مبعوثا إلى فرنسا من قِبَل الجامعة المصرية لنيل درجة الدكتوراة من جامعة السوربون.

- كان أحمد لطفي السيد هو المفكر الرئيسي لحزب الأمة الذي كان داعية للوطنية المصرية والرافضة للقومية العربية، في المقابل، كان يوجد الحزب الوطني بزعامة مصطفى كامل والذي كان منحازا للهوية الإسلامية ومدافعا شرسا عن الخلافة العثمانية، هنا كان طه حسين مترددا في الهوية الحضارية لمصر!

* الدكتور محمد عمارة يؤكد في إجابته عن سؤال: لماذا هذا الكتاب؟ كاد طه حسين أن ينفرد بأن كل حياته الفكرية التي جاوزت نصف قرن، قد كانت بكاملها معركة فكرية شديدة الإثارة للجدل العنيف حول ما قدمه من أفكار وآراء.

من المعلوم أن آراء طه حسين مبثوثة في كتبه التي مازالت تثير نفس الجدل القديم.

_ الذين تعصبوا لفكر وآراء طه حسين وهم في الغالب تلاميذه؛ قد وقفوا  عند أفكاره التي مثلت مرحلة انبهاره بالغرب والنموذج الحضاري الغربي، وتلك هي المحطة الثانية في حياته، فالرجل قد حاول جاهدا أن يلحق العقل المصري بالعقل الغربي وأعلن: أن أمتنا المصرية، من أجل حياة أفضل؛ عليها أن تسير سيرة الغرب العلماني في الإدارة والحكم والتشريع، وأن تتقبل هذا النموذج الحضاري الغربي كله، حلوه ومره خيره وشره.

هؤلاء تبنوا آراء طه حسين في مرحلته الفكرية الثانية ولم يروا في طه حسين إلا رجلا منبهرا بالغرب ويؤكد - الدكتور عمارة - أن هؤلاء قد عميت عيونهم وحُجبت بصائرهم وعقولهم عن التطورات الفكرية التي طرأت على فكر الرجل وآرائه وإبداعاته التي باعدت بينه وبين الإنبهار بالثقافة الغربية.

_ أطلق عمارة على المحطة الأخيرة في حياة طه حسين الفكرية، (مرحلة الإياب التدريجي) و (المخاض الحافل بالتناقضات) والتي بدأت عام ١٩٣٢ حتى موته ١٩٧٣.

مؤلفات طه حسين خلت تماما في تلك المرحلة من أي إساءة للإسلام ورموزه.

قدم عماره في هذا الكتاب نصوصا لطه حسين نفسه، مقصيا أي كتابات كتبها عنه الآخرون، سواء المتعصبون له أو المتعصبون ضده.

بداية نذكرك عزيزي القارئ بالآتي:

انعقدت لجنة في وزارة المعارف مشكلة من محمد حسنين الغمراوي بك، أحمد العوامري بك، الشيخ محمد عبد المطلب، ومما جاء في هذا الهجوم على الدكتور طه أنه: أضاع على الأمة الوحدة القومية والعاطفة الدينية وكل ما يتصل بهما. أضاع عليهم الإيمان بتواتر القرآن وقراءاته، أضاع عليهم الاعتقاد القرآن وتنزهه عن الكذب، وتنزيهه عن التهكم والازدراء بما كتب في سورة الجن وفي صحف وملة إبراهيم.. إلخ

من كان يظن عزيزي القارئ أن هذا الرجل سيكتب في ذكرى الثورة الفرنسية ١٩٣٤: "ليس صحيحا أن الثورة الفرنسية قد حررت الإنسان، فما زال الإنسان يستعبد الإنسان، وما زال الفرنسيون الذين كانوا يرون أنفسهم رسل الحرية؛ يستعبدون أجيالا من الناس في أقطار على تباعدها ويستعبدونهم باسم الحرية والإخاء والمساواة"

الحقيقة أن تلك المحطة كانت فترة تحولات بشكل عام، فها هو الدكتور محمد حسين هيكل (١٨٨٨ - ١٩٥٦) في كتابيه (حياة محمد) أو (في منزل الوحي) يعلن في شجاعة كبرى عن هذه التحولات وأسبابها فيما يخصه هو.

وها هو الأستاذ عباس العقاد (١٨٨٩ - ١٩٦٤) يكتب في العبقريات والمرأة في التصور الإسلامي. ويكتب الأديب توفيق الحكيم (١٨٩٨ - ١٩٨٧) مسرحية أهل (الكهف) و(محمد) .

ويكتب صاحبنا - طه حسين - (على هامش السيرة) معلنا اكتشافه: أن الأمة متمسكة بالتراث ومتعلقة بالمثل العليا الدينية مع الأخذ بالحضارة الحديثة.

ولقد أفصح طه حسين في ثلاثية ،على هامش السيرة، عن حقيقة ما اعتراه من تطور فكري باعد بينه وبين الغرور العقلاني؛ فأصبح يتحدث عن المعجزات الخارقة للعادة باعتبارها علما له معاييره المعقولة - رغم أن العقل القاصر لا يحيط بها - أفصح عن الحقيقة الهامة في تطوره الفكري.

يلخص الدكتور عمارة أهم سمات تلك المرحلة في :

- التوجه ضمن كوكبة من الكتاب إلى الكتابة في الإسلاميات والدفاع عن الإسلام ضد التنصير.

- رحلة طه حسين للحجاز عام ١٩٥٥

- توالت تأكيدات طه حسين على شمول الإسلام للدين والدولة كمنهاج شامل للحياة.

- تصاعد نبرة نقده للسياسة الاستعمارية الغربية مع صعود حركة التحرر الوطني.

في سنة ١٩٣٣ خاض طه حسين معركة ضد التنصير والمنصرين الذين شنوا هجوما شرسا على الإسلام من خلال المدارس الأجنبية والملاجئ تحت حماية الاستعمار والامتيازات الأجنبية؛ فكتب ست مقالات ضد زلزال التنصير تحت عناوين: (عدوان) و(هزل) و(حزم) و(فتنة) و(توفيق) و(تجن)، وذلك بصحيفة (كوكب الشرق) الوفدية بتواريخ (١٠ ديسمبر ، و١٦ و ١٨ و ١٩ و ٢٥ يونيه سنة ١٩٣٣. ومما جاء في هذه المقالات:

"ما بال الأجانب عندنا لا يرعون حرمة الضيافة والجوار؟! وما بالهم يلحون في إكراه المسلمين على أن يخرجوا من دينهم ويستبدلوا منه دينا آخر؟

إننا في بلد إسلامي يجب أن يُعز فيه الإسلام ولا يُذل، يجب على الحكومة أن تبين للناس أنها حكومة إسلامية حقا قد نهضت لحماية الإسلام ورعاية أمور المسلمين وكف المبشرين عن أن يعتدوا على الدين"

يذكر الدكتور عمارة: أن الشيخ المراغي (١٨٨١-١٩٤٥) شيخ الجامع الأزهر، بثاقب فكره المجدد، كان يرى أن دعوة واحد من الذين بهرتهم النظريات الغربية (يقصد طه حسين ) إلى أحضان الإسلام؛ أجدى على الإسلام من كثير ممن عاشوا حبيسي التراث الإسلامي وحده.

وبعد أن كان طه حسين يلتمس الأصالة في النموذج الغربي؛ وجدناه يدعو إلى التماس هذه الأصالة في تراثنا الإسلامي؛ فيعلن في كتابه الأخير (مرآة الإسلام) أن: الإسلام قد أقام أمة سياسية، مصدر السياسة فيها هو الإسلام.. وأقام دولة قانونها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.. وأن القضاء كان سلطة مستقلة من سلطات هذه الدولة الإسلامية، قانونها القرآن والسنة والاجتهاد.. وفي ذلك قال: "في العام الذي هاجر فيه النبي "صلى الله عليه وسلم" نشأت للمسلمين جماعة منظمة مستقلة، يقوم النبي على أمرها بما كان الله يوحي إليه من القرآن الكريم، وما كان يجتهد رأيه فيه، أو يستعين عليه برأي المسلمين.. ولم يكن عمر بن الخطاب يعرف قانونا إلا القرآن والسنة .. ولقد أرسل عمر القضاة إلى الأمصار ليجروا أحكام الله بين الناس.

وفي نهاية الكتاب يتمنى المؤلف الراحل عنا في ٢٨ فبراير ٢٠٢٠م ، الدكتور محمد عمارة أن يكون "الكتاب - الوثيقة" دعوة للفرقاء المختلفين حول طه حسين - الذين تعصبوا له والذين تعصبوا عليه - كي يعيدوا النظر في أحكامهم الجائرة القائمة على "الحَوَل الفكري" واجتزاء النصوص وحرق المراحل الفكرية في حياة الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربى.
-----------------------------
قراءة: محمود عبدالعليم

رابط تحميل الكتاب 



-