تقدم الراحل الكاتب ثروت أباظة عام 1996، وكان وقتها نائبًا لرئيس مجلس الشورى، ببلاغ لنيابة أمن الدولة العليا ضد الكاتب والنقابي جلال عارف، يتهمه فيه بسبه وقذفه في مقال نشره بجريدة "العربي".
وتنفيذًا للقانون (76) لسنة 1970، أخطرت النيابة النقابة باعتبار أن المقدم ضده البلاغ صحفي وعضو نقابة، وطبقًا للضمانات المنصوص عليها في هذا القانون الخاص بنقابة الصحفيين يتم هذا الإخطار قبل موعد التحقيق بفترة كافية لحضور النقيب، أو مَنْ ينيبه من أعضاء المجلس التحقيق.
وفعلًا حددنا الموعد المناسب، الذي توافقنا عليه مع النيابة، وحضرنا أنا والزميل الراحل مجدي مهنا نيابة عن النقيب التحقيق مع الأستاذ جلال، الذي كان عضوًا بمجلس النقابة لثلاث دورات استمرت من عام 83 حتى 95.
استقبلنا المستشار هشام سرايا، رئيس نيابة أمن الدولة، ورحب بنا، ثم انتقلنا إلى أحد وكلاء النيابة لبدء التحقيق. وفوجئنا - ودون تنسيق معنا - بالأستاذ جلال يسأل المحقق في البداية: "هل الزميل ثروت أباظة حصل من النقابة على إذن خصومة، وهل أرفق هذا الإذن بالبلاغ؟"، فرد المحقق بعد التقليب في الأوراق: لا. فقال الأستاذ جلال: وأنا بعتذر عن عدم الرد على أي سؤال لأن هذا يبطل التحقيق.
حاول وكيل النيابة أن يثنيه عن موقفه، ودفع بأن هذا إجراء شكلي لا يُوقف التحقيق، لكن عارف تمسك بموقفه، وتوتر الموقف. وأمام هذا، تركنا وكيل النيابة وعاد للمستشار هشام سرايا لإبلاغه بالموقف، وجرت اتصالات بالنائب العام المستشار ماهر عبدالواحد، والمستشار عبدالمجيد محمود مساعد النائب العام وقتها، خاصة أن مكانة ثروت أباظة وموقعه وكثرة شكواه، التي وصلت للرئيس مبارك من الحملة ضده، وانتقاد آرائه أدت إلى الاهتمام بالموضوع.
ثم عاد المستشار هشام سرايا، واستقبلنا مرة أخرى بمكتبه في محاولة لإقناع عارف بتغيير موقفه حتى تأخذ النيابة قرارها، وإلا ستضطر إلى إحالة القضية للمحاكمة.
أصر عارف على موقفه، وقال: "أنا لن أهدر ضمانة نص عليها قانون النقابة، والذي قدم البلاغ ضدي ليس صاحب امتياز خاص حتى يُعفى من ذلك، فهو عضو نقابة وكان الأجدر به احترام قانونها".
المهم تم صرفنا من النيابة، وبعد عدة أسابيع أحيل البلاغ إلى المحكمة، التي كان يترافع أمامها الأستاذ عصام الإسلامبولي، وبعد نحو عام انتهت المحكمة إلى تبرئة جلال عارف، وكانت المفاجأة أن مبرر رفضه وتمسكه بعدم الإدلاء بأقواله أمام النيابة كان هو سبب البراءة، التي استند إليها القاضي في حيثيات حكمه!
مجمل القول ونهايته من استدعاء هذه الواقعة التي عايشتها، أن الضمانات الموجودة في قانون النقابة، أو أي قانون ليست ديكورًا، ولا يمكن التعامل معها بانتقائية أو حسب الظروف، وأن تطبيقها مسئوليتنا جميعًا، والتفريط فيها لا يحط من الكرامة أو يهدر نصوصًا، بل يمس - قبل ذلك - حقوقًا أصيلة ربما يكون تمسكك بها فيه خلاصك أو نجاتك.
-----------------------------------
بقلم: يحيى قلاش






