18 - 12 - 2025

ما الذي تعنيه استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة للشرق الأوسط؟ وماذا نحن فاعلون؟

ما الذي تعنيه استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة للشرق الأوسط؟ وماذا نحن فاعلون؟

"نقل الأعباء، وبناء السلام"، بهذه العبارة لخصت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة والتي صدرت الأسبوع الماضي توجهات السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، على الأقل خلال السنوات الثلاث المتبقية في ولاية الرئيس الجمهوري دونالد ترامب. ربما كان الوضوح في أسباب اهتمام الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ منتصف القرن الماضي القوي بالمنطقة مقارنة ببقية مناطق العالم، أهم ما يميز هذه الاستراتيجية. ولخصت الوثيقة الجديدة هذه الأسباب في أن المنطقة كانت "أهم مورد للطاقة في العالم"، كما أنها كانت "مسرحًا رئيسيًا لتنافس القوى العظمى"، فضلًا عن أن الصراعات التي تعج بها المنطقة كانت مصدر تهديد للعالم، وأن هذا التهديد وصل إلى الشواطئ الأمريكية نفسها، في إشارة إلى هجمات 11 سبتمبر عام 2001، علاوة على عدد من التهديدات الأصغر السابقة واللاحقة على هذا الحدث الكبير والمشهود. كذلك كانت الوثيقة واضحة في رصد التغيرات في رؤية الولايات المتحدة لمصالحها في المنطقة وأشارت إلى تراجع الأهمية النسبية لنفط المنطقة بعد أن تنوعت مصادر الطاقة وبعد أن غير الذي طرأ على أهمية نفط المنطقة، فضلا عن تعزيز نفوذ الولايات المتحدة " مرة أخرى مُصدِّرًا صافيًا للطاقة."

التغير الثاني الذي ترصده الوثيقة هو أن المنطقة لم تعد ساحة لتنافس القوى الكبرى وهو تحول تزعم أنه بفضل سياسة إدارة ترامب التي عززت نفوذها في المنطقة وأخرجتها من دائرة تنافس القوى، استنادًا إلى تحالفاتها النشطة مع دول الخليج العربية ومع دول عربية أخرى، ومع إسرائيل. وهذه النقطة تحديدًا، تحتاج إلى مزيد من التمحيص والتدقيق لمعرفة ماذا كانت المنطقة أصبحت بمنأى عن تنافس القوى العظمى في العالم، ولتحديد ما الذي يُمكن أن يتغير في سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة في سياق توجهاتها الجديدة. وأيضًا ما تطرحه الوثيقة بخصوص ديناميات وتأثيرات الصراعات في الشرق الأوسط، والتي ترى أنه أصبح "أقل تعقيدًا مما قد توحي به العناوين الرئيسية" في وسائل الإعلام، وتؤسس الوثيقة ذلك التقدير على أساس ما ترى أنه ضعف كبير أصاب إيران، القوة الرئيسية المزعزعة للاستقرار في المنطقة، نتيجة للإجراءات الإسرائيلية منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023، وعملية "مطرقة منتصف الليل" التي أطلقها الرئيس ترامب في يونيو 2025، لكن الوثيقة تعترف بأن السبب الرئيسي للصراع في المنطقة، الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا يزال شائكًا، رغم ضعف الداعمين الرئيسيين لحركة حماس أو انسحابهم. لكن الأهم أن الوثيقة تعول على إمكانية إحراز تقدم على الساحة السورية بإعادة تأهيل النظام الجديد هناك بدعم أمريكي وعربي وإسرائيلي وتركي، لتستعيد مكانتها كلاعب أساسي وإيجابي في المنطقة.

خمر قديم في آنية جديدة

من المتعارف عليه أن السياسة الخارجية الأمريكية، منذ استقلال الولايات المتحدة الأمريكية، يتنازعها تياران بشكل عام. فمن ناحية، هناك تيار انعزالي، يميل إلى التركيز على المصالح الأمريكية وينزع إلى تقليل الالتزامات الخارجية للولايات المتحدة وإلى حصر دائرة النفوذ الأمريكية في نصف الكرة الغربي، ويرى أن المهمة الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية هي تأمين انفراد الولايات المتحدة بالنفوذ في هذه المنطقة وبناء وتأمين القوة الأمريكية، ويميل أنصار هذا التيار إلى اتباع سياسات أحادية ويرفض تقديم أي مقابل للحلفاء لكسب دعمهم، ويميل إلى تقليل الأعباء التي قد تتحملها لصيانة تحالفاتها والدفاع عن حلفائها في مختلف مناطق العالم. التيار الآخر في السياسة الخارجية الأمريكي هو تيار منفتح على العالم ويرى أن للولايات المتحدة دور رئيسي في حفظ الأمن والاستقرار الدولي من خلال شبكة من التحالفات العالمية والإقليمية ومن خلال ترتيبات تعاونية ومتعددة الأطراف. وتعد السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط وآسيا أحد المؤشرات الأساسية على النزعة الانعزالية الأحادية، أو على الانفتاح على العالم والانخراط في الشؤون الدولية. 

غلى الرغم من انتصار تيار الانفتاح بعد الحرب العالمية الثانية، والذي يرى كثير من دارسي العلاقات الدولية أنه كان بسبب هجوم بيرل هاربر، الذي شنته اليابان أثناء الحرب العالمية الثانية، إلا أن التيار الانعزالي ظل حاضرًا، بصور مختلفة، في الخطاب الخاص بالسياسة الخارجية الأمريكية، وكان تأثيره يتعاظم بشكل خاص بعد الهزائم التي تمنى بها الولايات المتحدة في الخارج، على غرار ما حدث بعد هزيمة الولايات المتحدة في حرب فيتنام، حيث أدت هذه الهزيمة إلى ما يعرف بعقدة فيتنام في الفكر العسكري الأمريكي، والتي كرسها تفجير مقر مشاة البحرية الأمريكية في العاصمة اللبنانية بيروت في أكتوبر عام 1983، والذي أودى بحياة 241 جنديا أمريكيًا، وعلى الرغم من تغلب الولايات المتحدة بعد قيادتها للتحالف الدولي ضد الغزو العراقي للكويت في عام 1991، وتدخلها في حروب تفكك يوغوسلافيا حتى منتصف التسعينات، ثم غزو أفغانستان أواخر عام 2001 والذي استمر حتى انسحابها في غام 2021، وغزو العراق عام 2003، ومشاركتها في تحالفات عسكرية ودولية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، إلا أن سجلها في هذه التدخلات العسكرية وما أسفرت عنه جعلها أكثر ميلًا للاعتقاد بأن هناك حدودا لما يمكن أن تحققه القوة العسكرية.

ثمة مغالطة كبيرة فيما يتعلق بالأعباء التي تتحملها الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط تتمثل في نقطتين أساسيتين: الأولى أن الدعم الأمريكي الأكبر للمنطقة الاقتصادي والعسكري والعملياتي، موجه لإسرائيل وحماية أمنها ووجودها في المنطقة بالأساس، وهو ما تأكد في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر، وأن هذا الالتزام الأمريكي بضمان تفوق إسرائيل عسكريًا وأمنيًا على أي تحالف إقليمي معادي لها لا يزال ملمحا بارزًا في استراتيجية الولايات المتحدة تجاه المنطقة، وأن هذا الملمح لا يزال قائمًا، وإن كانت تسعى إلى تنفيذه بأدوات أخرى دبلوماسية وغير عسكرية. النقطة الأخرى هي أن استفادة الولايات المتحدة من تحالفاتها الاقتصادية والاستراتيجية والأمنية في المنطقة تفوق كثيرًا أي أعباء قد تتحملها، إذا كانت هناك أعباء أصلًا، بالشركات الأمريكية هي أكبر مستثمر في قطاع الطاقة والمقاولات الاستراتيجية في المنطقة، كما أن حصيلة صادرات النفط المقومة بالدولار هي الداعم الرئيسي لسندات الخزانة الأمريكية، وهي الجزء الأكبر من المديونية الخارجية للمنطقة، كما أن دول المنطقة أكبر زبون للصناعات العسكرية الأمريكية. وتتطلع الولايات المتحدة على ما يبدو إلى تعزيز وجودها المالي والاستثماري في المنطقة عبر الاستثمار في قطاعات الطاقة النووية والذكاء الاصطناعي وتقنيات الدفاع، وسترسخ تعاونها مع شركائها في المنطقة لتأمين سلاسل التوريد، ودعم فرص تطوير أسواق ودية ومفتوحة في مناطق أخرى من العالم، وخصوصًا أفريقيا، التي أفردت لها الاستراتيجية قسمًا خاصًا.

ورغم أن وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة تشير إلى أن "الأيام التي هيمن فيها الشرق الأوسط على السياسة الخارجية الأمريكية، سواء في التخطيط طويل الأمد أو التنفيذ اليومي، قد ولّت"، وأن لأن الشرق الأوسط "لم يعد مصدر إزعاج دائم، ومصدرًا محتملاً لكارثة وشيكة، كما كان في السابق"، إلا أنها لا تقلل من أهمية المنطقة، وتتطلع إلى أن تصبح ساحة "للشراكة والصداقة والاستثمار"، وذلك إذا نجحت السياسة التي أعلنتها في قمة شرم الشيخ الرامية إلى توحيد العالم العربي في السعي للسلام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، والتي ترى أن ذلك سيُمكّن واشنطن من إعطاء الأولوية للمصالح الأمريكية، لكن السؤال يظل كيف يمكن تحقيق ذلك في ظل الوضع الراهن، والذي يتضمن كثيرا من عناصر التفجير وزعزعة الاستقرار. وتظهر الوثيقة جوانب من التناقض الذي كان ولا يزال سمة ملازمة للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة، فالوثيقة تتحدث عن مصالح جوهرية لواشنطن في ضمان عدم وقوع إمدادات الطاقة في الخليج في أيدي عدو صريح، وفي بقاء مضيق هرمز مفتوحًا، وبقاء البحر الأحمر ممرا للملاحة الدولية، وفي عدم تحول المنطقة إلى حاضنة أو مصدر للإرهاب ضد المصالح الأمريكية أو الوطن الأمريكي، وبقاء إسرائيل آمنة. 

بناء السلام وبناء الدول

عندما أقدمت الولايات المتحدة على غزو أفغانستان في ديسمبر 2001، بعد ثلاثة أشهر من هجمات 11 سبتمبر، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، أن الولايات المتحدة لم تأت إلى أفغانستان من أجل بناء الدولة الأفغانية، وإنما وضعت غزوها للدولة الواقعة في وسط القارة الآسيوية في سياق الحرب العالمية التي أعلنتها على الإرهاب. قال بوش ذلك في وقت كانت تهيمن فيه قضية الدول الفاشلة على الخطاب الخاص بالأمن الدولي، باعتبار أن وجود دول فاشلة، أو في طريقها للفشل في مختلف مناطق العالم، أحد المصادر الأساسية التي تغذي الإرهاب الدولي وتهدد أمن الدول الغنية والمتقدمة. لقد كان التركيز الأساسي للاستراتيجية الأمريكية لمحاربة الإرهاب، هي التركيز على كيفية إبعاد هذا التهديد عن الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين عبر وسائل أمنية وعسكرية، دون التعامل مع الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تفرز جماعات إرهابية ناقمة على الولايات المتحدة والدول الغربية، وأحجمت دوائر التفكير الاستراتيجي وصنع القرار الأمريكية عن إعادة النظر في هذه الاستراتيجية، على الرغم من المؤشرات على اكتساب التنظيمات الإرهابية، بغض النظر عن تعريف الإرهاب، قواعد متزايدة في كثير من الدول الفاشلة في أفريقيا وآسيا، والمؤشرات على أن هذه التنظيمات قادرة على توجيه ضربات للمصالح الأمريكية والغربية في أنحاء مختلفة من العالم. وعلى الرغم من إشارة الوثيقة إلى مواصلة تلك الاستراتيجية دون الانخراط في صراعات أو عمليات لبناء الدول التي وصفتها بأنها دول "عبثية"، على نحو لا تتضح فيه الصلة بين الاستقرار السياسي الداخلي للدول والمجتمعات وبين بناء السلام. 

الركيزة الأساسية التي تعتمد عليها المتحدة في هذا الصدد والمتمثلة في توسيع التطبيع بين الدول العربية والإسلامية وإسرائيل من خلال "الاتفاقيات الإبراهيمية، وتنسيق عمليات مكافحة التطرف بين شركائها في الشرق الأوسط، عبر أدوات أمنية تتعامل مع مظاهر التطرف فقط وتتجاهل أسبابه الواضحة والمتمثلة في سياسات هذه الدول. هذا واضح تمامًا في السياسات الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية والتي بدأت تمتد إلى الداخل الإسرائيلي خصوصًا في التعامل مع الأقلية الفلسطينية، وواضح كذلك في تعاملها مع لبنان وسوريا، حيث تختزل مستقبل العلاقة مع النظام الجديد في إبرام اتفاق أمني لا يتعامل مع واقع احتلال إسرائيل لأراضي سورية. هذا التعامل الأمني مع القضايا والملفات في المنطقة قصيرة النظر ولا يساعد على إحداث التحولات الضرورية لبناء الدول والتطور السياسي الذي يعمل لصالح السواد الأعظم من المواطنين في المنطقة. ويتعزز هذا التوجه الأمني من خلال ما اعتبرته الوثيقة "سياسة أمريكية خاطئة" اتبعتها الإدارات السابقة، تمثلت في الضغوط التي مارستها واشنطن على شركائها، خصوصًا في دول الخليج، للشروع في عمليات للإصلاح السياسي والتخلي عن أساليبها في حكم مجتمعاتها، الأمر الذي يعني تراجع الضغوط الأمريكية من أجل تحسين أوضاع حقوق الإنسان وتشجيع دول المنطقة على الانتقال إلى الديمقراطية. هذا تطور قد يكون إيجابيًا من زاوية اقتناع الإدارة الأمريكية الحالية بعدم جدوى محاولات فرض الإصلاح السياسي والديمقراطية من الخارج، لكنه ينطوي على خطر تشجيع الحكومات على انتهاك حقوق الإنسان والبطش بمعارضيها، وربما تظهر إدارة ترامب نفسها تحولًا عن القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان حتى داخل الولايات المتحدة وفي الدول الأوروبية، والتي تواجه أزمات حادة داخلية حادة تضع مجمل التجربة الأوروبية في مجال الحكم الرشيد والديمقراطية موضع اختبار، وتفتح الباب لاحتمالات لزعزعة الاستقرار السياسي والاجتماعي الداخلي وأنماط جديدة من الصراعات السياسية والاجتماعية، وتحول العالم إلى ساحة لصراعات مفتوحة بين الرأسماليات التي تواجه أزمة طاحنة نتيجة التحولات الناجمة عن الثورة الصناعية الرابعة وبين القوى الاجتماعية المختلفة المهددة بمزيد من التهميش والتراجع.

إن دول المنطقة ليست بمنأى عن الآثار المترتبة على التحولات في أوروبا والولايات المتحدة والتي تمضي في اتجاه معاكس لتطور الفكر السياسي الذي تعكسه المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة، خصوصًا مع صعود الحركات الشعبوية وحركات اليمين المتطرف والتوجه نحو سياسات حمائية في هذه الدول تعبر عنها الإجراءات التي تتخذها ضد المهاجرين والقيود التي تفرضها على الهجرة إليها. وبات واضحًا بالنسبة لكثير من النخب العربية أن مسألة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان لم تعد مرتبطة بضغوط تمارسها الدول الأوروبية والقوى الغربية، وإنما باتت ضرورة تمليها اعتبارات داخلية تتعلق بتقدمها ومواكبة التحولات العاصفة التي يجلبها التطور التكنولوجي والدخول في الموجات المتعاقبة لتطور الذكاء الاصطناعي التوليدي والعميق والفائق، والتي تفرض على المجتمعات المختلفة تحديات كبيرة عليها الاستجابة لها كي لا تواجه خطر التهميش ومعركة المستقبل. هذه التحديات تتطلب ترتيبات داخلية لدمج المواطنين في عملية التحول الكبير، من الواضح أن استمرار الصراعات في المنطقة لن يساعد في انجاز هذا التحول ويوجد وضعا الكل فيه خاسر. 

تصحيح خطأ أوروبا التاريخي 

لقد ورثت الولايات المتحدة الأمريكية منطقة الشرق الأوسط من القوى الاستعمارية الأوروبية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ودفعتها سياسة الاحتواء وملء الفراغ إلى اتباع سياسات لم تسهم في التعامل مع المشكلات الملحة لبلدان المنطقة التي تحررت من الاستعمار الأوروبي التقليدي، وسلكت نهج إدارة الصراعات، بما في ذلك صراع إسرائيل مع الفلسطينيين ومع الدول العربية، بدلا من حلها، وأدت تدخلاتها في المنطقة إلى ترسيخ الانقسامات وتوظيفها بما يضمن تحقيق مصالحها المباشرة وقصيرة الأجل. هذه السياسات لم تفعل شيئًا لتصحيح الخطأ التاريخي الناجم عن الخطط الأوروبية للمنطقة في أعقاب الحرب العالمية الأولى وميلاد دول الشرق الأوسط الراهنة لكنها استثمرته لمصالحها وعلى حساب مصالح شعوب المنطقة وتطلعاتها. والصراعات الراهنة في المنطقة هي نتيجة مباشرة للخريطة السياسية التي ظهرت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ونتيجة للتدخل في شؤونها. 

إن خطورة خطة الانسحاب من المنطقة التي تتبعها إدارة ترامب لا تقل عن خطورة تدخل الإدارات السابقة في شؤون المنطقة، وتحجم الولايات المتحدة عن تحمل تبعات سياساتها في المنطقة وتسعي لنقل هذه العبء إلى أطراف إقليمية أخرى، وتراهن في هذا الصدد على سلام بات مستحيلًا. قد يرى البعض في استراتيجية القومي الأمريكية التي تعبر عن صعود النزعة الانعزالية في السياسة الخارجية الأمريكية خطورة على عالم اعتمد أمنه واستقراره ولعقود طويلة على الولايات المتحدة وتوجهاتها، خصوصًا في ظل السياسات الراهنة للقوى الطامحة لأن تقود العالم، لكن يمكن النظر إلى هذا التوجه كفرصة لتصحيح كثير من الأخطاء والخطايا التي ارتكبت في حق شعوب المنطقة، لكن الاستفادة من هذه الفرصة يتطلب أساليب جديدة في الإدارة والحكم. لكن مهلًا علينا أن نتأكد أولًا من أن الولايات المتحدة جادة في انسحابها. وسواء انسحبت أم لم تنسحب يجب التفكير في ترتيبات بديلة كي نصحح بأيدينا الخطأ التاريخي الذي ارتكبته القوى الأوروبية في مطلع القرن العشرين بالانخراط في عمليات جادة لبناء الدولة الوطنية بما يفتح الباب أمام أشكال جديدة للتعاون الإقليمي والتضامن وبناء تحالفات إقليمية وشركات دولية تعمل من أجل التنمية والسلام.
------------------------------------
بقلم: أشرف راضي

مقالات اخرى للكاتب

صباحيات |