عشرة فصول ، يتناول فيها "حليم بركات" في كتابه : الاغتراب في الثقافة العربية ، ظاهرة الاغتراب ومتاهة الإنسان بين الحلم والواقع ، مركِّزا على الإنسان العربي ، ذلك الذي حولته مؤسسات الدولة إلى كائن مقهور مذعور .
يتساءل الدكتور حليم : إلى أي حد يسهم النظام السائد في إفقار الإنسان وتدجينه وقهره وتحويله إلى كائن عاجز ، عاجز في علاقته بنفسه والعالم والمؤسسات التي ينشأ ويعمل من ضمنها؟!
والسؤال الذي يستطيل مداه عن العلاقة الملغزة والشائكة بين الكائن/المواطن هذا والبنى الفوقية ، لماذا كل هذه الفجوة العميقة بين الحلم والواقع ؟!
كيف نتجاوز حالات الاغتراب الذاتي والاجتماعي والسياسي؟!
في هذا السفر - فصله الثاني تحديدا - يؤكد حليم بركات ، على أن مفهوم الاغتراب ما يزال غامضا ، ونادرا ما يتفق الباحثون على تحديده . يذكر بركات ؛ أن عالم الاجتماع الأمريكي "ميلفن سيمن" قد توصل إلى تحديد خمسة مفاهيم مختلفة للاغتراب ، أطلق عليها تسميات :
1- العجز pwer less ness .
2- فقدان المعايير norm lessness .
3- غياب المعاني meaning less ness
4- العزلة isolation
5- الاغتراب الذاتي self - estrangement
غير أن حليم بركات يؤكد على أن الاغتراب هو عملية (process) تتكون من ثلاث مراحل أساسية تشمل:
1- مصادره في المجتمع والثقافة.
2- اختباره كتجربة نفسية وفكرية لدى الإنسان المغترب على صعيد الوعي.
3- نتائجه السلوكية البديلة في الحياة اليومية ، من انسحاب أو خضوع أو مشاركة في حركات اجتماعية وسياسية تعمل على تغيير الواقع .
- بهذا يكون عالم الاجتماع السوري حليم بركات قد قام بعمل نقدي لطبيعة العلاقة بين الإنسان وبين تلك المؤسسات التي حولت إنسانها إلى كائن منعزل، ذلك الإنسان/الكائن ، أو الكائن/الإنسان ، الذي راح يبحث منفردا عن تحسين وضعه المادي والاجتماعي بشكل عام ، مبتعدا تماما عن المشاركة أو حتى مجرد التفكير في إصلاح الوضع العام من حوله، وبدلا من العمل على الإصلاح من خلال مشاركات فعالة في قنوات قانونية كالأحزاب والنقابات المعترف بها لتحقيق النهضة العربية التي كافح الأجداد في سبيل تحقيقها، بدلا من كل ذلك فقد تحول هذا الإنسان إلى كائن مغترب ومضطر إلى التكيف مع واقعه المأساوي.
- أومأ السوري حليم بركات - والذي شاهد بعينه الوضع الكارثي في سوريا - في كتابه هذا إلى أن المرحلة التي تسود فيها حالة من الانحراف عن القيم والمفاهيم التي تتجلى في ازدواجية التمسك بتقاليد وعادات متوارثة وما بين الارتماء في أحضان كل ما يأتينا من الغرب دونما تفكير في ضحالتها ونزوعها الاستهلاكي، فالإنسان الذي يهرب إلى الماضي دونما إعمال للعقل، هو كالذي يتبنى ثقافة الغرب دونما إعمال عقل فيه، مقلدا لا مبدعا، فكل منهما (المتمسك بتقاليد بعضها صار باليا وبعضها جيد ومفيد، دونما تمحيص واعتناق مالا يصطدم بالعقل، والآخر الذي أقبل دونما تحفظ على استيراد الثقافة الغربية دونما تفكير وتروي) يسلك مثل هذا التوجه متخليا عن تنمية قدراته الذاتية الإبداعية والنقدية.
- يؤكد الدكتور حليم بركات ، والذي رحل عن عالمنا في يونيو 2023؛ أن المجتمع العربي مجتمع مفكك وتغيب في كثير من دوله الرؤية العلمية والعدالة والمشاركة حتى تحول إلى جزر منعزلة تتنازع بدل أن تتوافق.
- الكتاب هذا والذي صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت، ليس مجرد دراسة فلسفية حول مفهوم الاغتراب بل هو صرخة ضد استلاب الإنسان العربي وجعله فاعلا في التاريخ .
--------------------------------
قراءة: محمود عبدالعليم






