كتب د. بهي الدين مرسي الأديب والطبيب المصري مقدمة لموسوعة "القصة الومضة" قال فيه:
تلقيت بكل الفخر شرف التكليف بكتابة مقدمة "موسوعة القصة الومضة" للأديب مصطفى علي عمار، وقد طالعتها بعمق، ولكن استوقفني تحديدًا أحد فصولها الرائعة وهو "برق ورعد".
بداية، أود الاطراء على البناء الأسطوري لهذه الموسوعة التي اتسعت عبر عقد من الزمان لتستوعب (1340) أربعين وثلاثمائة وألف ومضة قصصية أو قصة ومضية تخطف الأبصار.
قبل سنوات، كنت أتصفح " ألفية ابن مالك" في النحو والتصريف في سياق إعداد أطروحة أدبية حول الكتابة الموسعة، ووجدتني آنذاك أتساءل وأقراني: هل يمكن أن تحظي مكتبتنا العربية بجهد تراثي عملاق يضم قطوف الحكمة في ومضات متناهية القصر، وتكون متخمة بالحكمة على غرار ألفية ابن مالك؟ وجاءت الإجابة الضمنية من الرفاق مخيبة للرجاء، فقد تراوح الممكن بين النفي والاحتمال.
تمر السنون وأجدني أتصفح "موسوعة القصة الومضة" وصرت أردد: ها هي الألفية الومضية.
ثمة محاولات عديدة في الأدب العالمي مارست استخلاص الحكمة من الأدب الشعبي والتراث المحلي وإعادة صياغتها في شكل "مرويات الحكمة"، وبشكل محدد، تفوق الأدب الإنجليزي في هذه الصنعة، ولعل أشهر مثال هو رواية شارلز ديكنز "قصة التلميذ" التي اختزلت في مقولة ومضية هي "الابن لأبيه".
قيمة القصة الومضة:
من الناحية اللغوية والأدبية، تُعد القصة الومضة لباسًا ترتديه أمهات القصص تعبر به جنبات العقل في ثوان، فلا أسهل على العين من عبارة صيغت في كلمات محدودة، ينقلها البصر وتتلقفها البصيرة، فتحتل مقام القصة الطويلة.
أجمع كتاب كثيرون وبعض حكماء الكلمة على تصنيف القصة الومضة خارج سياق القصة أو الرواية، واعتبروا أن وضعها في إطار القصة لهو ضرب من الظلم وإهدار القيمة، فأدب الرواية لا يلزمه سوى ملكات التخيل لبناء القصة، أما صياغة القصة الومضة ثم استخلاص الحكمة من بين سطورها، فتلك عبقرية أخرى.
تعال إذًا لأدب الحكمة والموعظة، وهو أدب رقيق يعتمد على تركيز الكلمات وتقليل الحروف وتوسيع الحكمة، وهذا أمر مرهق يلزمه حنكة لغوية وفطنة الحكماء.
موقع القصة الومضية في الأدب المعاصر:
يميل البعض إلى تسميتها " فن الاقتصاد اللغوي" جراء التكثيف الشديد بحذف التكرار والترادف في الكلمات، حتى أنَّ المعنى اشتبك مع مفهوم "الخاطرة"، والبعض الآخر أعادها للقصة القصيرة جدًّا، إلا أنَّ جمهور المعترضين نددوا بغياب القوة الإبداعية في القصة القصيرة، ومن ثم عزلت القصة الومضية في مقام متفرد، لأنَّ القضية ليست في اختزال النص، واعتبرته جنسًا فريدًا تم استضافته مؤخرا في الأدب العربي.
أعزى بعض النقاد تفرد القصة الومضية بهذا الاسم إلى اتساع جنبات اللغة العربية وأنه لا ضير في الخروج من "عائلة القصة" رباعية الأفراد وهي الرواية، والقصة الطويلة، والقصة القصيرة، والقصة القصيرة جدا، لذا جعلت القصة الومضية أدبًا مستقلا.
أمَّا أنا - كاتب هذه المقدمة - فلا أرى مبررًا للحيرة في تصنيف القصة الومضة والبحث عن مكان لها في جنبات الأدب العربي، بل أرى أنه من الأحرى أنْ تستقل بمقام مستحدث ندخله على اللغة الغربية، فهي ليست شعرًا، ولا نثرًا، ولا حكيًا.






