09 - 12 - 2025

محمد الخولي رئيس مصلحة الشهر العقاري.. وشيخ العرب!

محمد الخولي رئيس مصلحة الشهر العقاري.. وشيخ العرب!

هي قصةُ نجاح حقيقية، بدأها بطلُنا منذ نعومة أظفاره، سطَّرت حروفَها دموعُ عينيه، وقسوةُ الأيام والليالي، إذ مات أبوه، وهو طفلٌ صغير، فتعهدته أمُّه وجدَّته، ووفّرتا من قوتهما كي يُكمل تعليمه، ويعوضهما آلام الفقر والحرمان .

استوعب الطفل محمد عبد اللطيف الخولي الدرس جيدا، وصنعت منه الشدائد رجلا، فلم ينكسر لقسوة الجوع، أو ينحني لريح الفقر، بل وصل ليله بنهاره جدا واجتهادا، تحصيلا ومذاكرة، حتى تخرج في كلية الحقوق، وعمل بمصلحة الشهر العقاري .

بدأ السُّلم الوظيفي من أولى درجاته، ولعقَ الصبر حتى وصل إلى القمة .

وبيد أنه نشأ فقيرا يتيما، فكان يُقدِّر مصالح الناس، خاصة البسطاء، دون إخلال بقوانين العمل، إذ وازن بين الأمرين بحرفية الربان الماهر .

في رحلته العملية، ضرب أروع أمثلة الإخلاص في العمل، والتفاني في خدمة الجمهور، فحظي بثقة واحترام رؤسائه، وكانت تقاريرُه السنوية، لا تقل عن امتياز؛ مما أسهم في ارتقائه درجات السُّلم الوظيفي، حتى صار رئيسا لمصلحة الشهر العقاري، وهي أعلى درجة وظيفية في مجال عمله .

الحاج محمد الخولي نموذجٌ فذُّ في المهنية والخلق؛ وهو ما جعله قدوة ومثلا أعلى لكلِّ من عامله وخالطه . أيقن خلال رحلة عمله، أنَّ القيادة تكليفٌ، وليست تشريفا، هي انضباطٌ ونظام، دون قسوة وتعنت، هي تلبيةُ مصالح الناس الشخصية؛ شريطة ألا يؤثر ذلك على المصلحة العامة .

آمنَ محمد الخولي بفكرة القدوة؛ لثقته بأنَّ فاقد الشيء لا يُعطيه، فكانت حياتُه العملية انضباطا في الحضور والانصراف، تأدية للعمل على أكمل وجه وأحسن صورة، التحاما بالجمهور، وعدم الجلوس فى برج عاجي، فجابت شهرتُه الآفاق، وأشاد بكفاءته القاصي والداني، ممن تعاملوا مع مصلحة الشهر العقاري، فذلل لهم كلّ صعب، ويسّر لهم كلَّ عسير، ولم يتعمد كبعض موظفي اليوم (توقيف المراكب السايرة) .

اتسمت علاقتُه بمرءوسيه بالودِّ والحميمية، فلم يرفع على رقابهم يوما سيفَ الحجاج، بل آثر النصح والتوجيه في تعليم المخطئ، وتقويم المعوَّج، فكانت توجيهاته تلقى الإذعان والترحيب برحابة صدر .

أيقن الحاج محمد الخولي، خلال رحلة عمله، التي زادت على 40 عاما أنَّ القيادة فنٌ، ولم تكن أبدا وجها عابسا وجبينا مقطبا، وجزاءات ع (الفاضي والمليان)، بل هي حزمٌ لا يصل لحدِّ القسوة، ولينٌ لا يصل لحدِّ التسيب، هي الوسطية التي تحقق النجاح .

امتاز الرجلُ بتواضعٍ جم، فحدث أن دلف يوما من باب مصلحة الشهر العقاري متوجها إلي المصعد الكهربي، فإذا به يجد عامل المصعد نائما، ويحاول جاهدا أحدُّ السعاة إيقاظه؛ لقدوم رئيس المصلحة، فأمره بألا يُزعجه، وقاد المصعد بنفسه، وتوجه إلى مكتبه، ولم تمض إلا لحظات، وجاءه العاملُ يمشي على استحياء معتذرا، فنصحه بأن يهون على نفسه، وأن الأمر لا يدعو لكلِّ هذا الخوف والهلع، فانصرف العاملُ من مكتبه، ولسانُه يلهج له بالدعاء .  

لم يقتصر نجاح محمد الخولي على العمل فحسب، بل حقق إلى جانب ذلك نجاحات شتى في ميادين العمل الاجتماعي والخيري والمجالس العرفية، التي كان يُدعَى إليها؛ استنادا إلى رجاحة عقله، وحرصه على العدل، وإلى جانب هذا وذاك حبّ الكلِّ له، وهو ما جعله أهلا لأن يُسمع إذا قال، ويُطاعَ إذا أمر .

حياة الحقوقي الحكيم محمد الخولي، رحلةُ كفاح، عمل صاحبُها في صمت، ولم يطمع يوما فى شهرة، أو يتطلع إلى منصب، بل رفض منصب رئاسة المصلحة عدة أيام، فاستدعاه المستشار فاروق سيف النصر وزير العدل آنذاك، وأقنعه بأنَّ المصلحة تحتاج إلى جهده وخبرته، فامتثل الخولي للأمر، وقبِل التكليفَ رئيسا لمصلحة الشهر العقاري؛ إيمانا بالواجب، الذي يفرضُه عليه الانتماء للبلد .

هي حياةٌ جادة لرجل، آمن بأنَّ الآخرة خيرٌ من الأولى، وأنَّ جزاء الله خيرٌ وأبقى، فبدأ بسيطا، وارتقى درجات السلم الوظيفي حتى بلغ قمّته،  وأحيل إلى المعاش بعد رحلة طويلة من الكفاح والصبر، تاركا وراءه سمعة طيبة، وقيما تُدرَّس .

الحاج محمد الخولي ـ رئيس مصلحة الشهر العقاري الأسبق، ابنٌ بار من أبناء قرية إمياي، وسفيرٌ من سفرائها الكرام، ومثالٌ يُحتذى في المهنية والخلق .. حفظ الله الرجل، وبارك في ذريته .

(وقفاتٌ على سير المُلهِمين من قريتنا)
------------------------------
بقلم: صبري الموجي
* مدير تحرير الأهرام
 

مقالات اخرى للكاتب

محمد الخولي رئيس مصلحة الشهر العقاري.. وشيخ العرب!