دم النساء في العالم عامة وفي مصر خاصة، ورغم الحديث عن “تمكين المرأة”، يظلّ أرخص من جدي صغير، خلال 2023 و2024، قُتلت 727 امرأة مصرية وفق بيانات مرصد “إدراك” لجرائم العنف ضد النساء والفتيات، أرقام جافة، لكنها في الحقيقة أرواح تصرخ، بمقابلة الرقم بعدد النساء في مصر – حوالي 57.7 مليون امرأة – يصبح المعدل 0.63 حالة قتل لكل مئة ألف امرأة، رقم يبدو صغيراً، لكن هذا الوهم الرياضي يخفي وراءه مأساة جماعية؛ فكل “واحدة” من هؤلاء كانت ابنة، أو أما، أو طالبة، أو عاملة عادية حاولت أن تعيش، أن ما يُسمى بـ"الفيمسيد" – أي قتل النساء بسبب كونهن نساء، أو داخل علاقات عنف أسري – لا يُعامَل بعد كجريمة نوعية في القانون المصري، في الغالب يُسجّل القتل “مشاجرة”، “دافع شرف”، أو “خلاف عائلي”، "ضرب أفضى للموت"، النظام القانوني لا يعترف بالمصطلح، والمجتمع بدوره يبرّر، الأم تبكي لتبرئة الابن قاتل شقيقته ليراعي العائلة، والأب يرى ابنه بطل غسل عاره بيده، الزوج يدعي ويٌصدق فهو الرجل وهو المرأة الظالمة المستحقة للموت كعقاب على أي هفوة منها أو منه، بين القانون والتبرير، تضيع العدالة.
لا توجد حتى الآن قاعدة بيانات وطنية واحدة توثّق جرائم قتل النساء بدقة، المتاح فقط ما يجمعه المجتمع المدني والإعلام، تقرير “إدراك” أشار إلى أن معظم جرائم قتل النساء في 2024 ارتكبها أزواج، أو آباء، أو إخوة، وغالباً في البيوت نفسها التي يُفترض أنها آمنة، المفارقة: القاتل ليس غريباً في الظلام، بل قريب ينام في الغرفة المجاورة، أو كثيراً على نفس السرير، محافظات مثل الشرقية والقاهرة والجيزة تتصدّر الترتيب، دراسة طبية شرعية في محافظة الشرقية وحدها وثّقت 55 حالة قتل نساء خلال عام ونصف فقط، هذا يعني أن الظاهرة ليست معزولة، بل جزء من نمط متكرر في كل أنحاء البلاد، يتغذى على ثقافة الصمت، ويشي بأن المكان لا يفرق سواء ريف أو مدينه، فالقاهرة تتصدر أكثر المدن عنفاً ضد المرأة فمن بين 1195 جريمة في 2024 في مصر، حوالي 391–392 قضية وقعت في القاهرة.
في الإعلام، القصص تأتي على شكل موجات: فتاة تُقتل لرفضها الزواج من رجل، أخرى تُذبح أمام الجامعة، ثالثة تُحرق على يد زوجها، الغضب يشتعل يوماً أو اثنين، ثم يُنسى، أفلام ومسلسلات لجذب الجمهور لزيادة الإيرادات، لا لإيجاد حل، أو تقديم علاج ومساعدة المعنفات على الأقل بإيجاد مأوى وملجأ أمن، الإعلام يبحث عن الإثارة، لا العدالة، الدولة تصدر بياناً عن “تجديد الوعي”، لكن الوعي لا يتجدد بالكلام بل بالقوانين والتعليم ومراكز الدعم، القتل نهاية يسبقه سنوات من الإهانة، العزلة، والضرب، والتبرير المجتمعي المتواطيء، كل مرة يُقال فيها "يمكن استفزّته"، أو "دي مسائل عائلية"، تُمنح الرخصة التالية للقتل، العنف ضد النساء ليس حوادث فردية، بل نظام اجتماعي قائم على اللا مساءلة، التغيير هنا لا يبدأ بالشرطة، بل بالتربية، بالقانون، وبإرادة سياسية تهتم بصحة ناخباتها، الأرقام السابقة تفضح كم التجاهل والإهمال، وما خفي ولم يوثق أعظم، ربما يجب على الدولة إجبار باقي المنظومة المجتمعية على الاهتمام، "تمكين المرأة" لا قيمة له إن لم يُرفق بتشريعات تجرّم العنف الأسري، وتعتبر قتل النساء جريمة كما باقي جرائم القتل والعنف، فحتى الأن هذه التقارير الحقوقية مجرد أرشيف للدم، تذكّرنا أن في مصر تُقتل امرأة كل يوم تقريباً لأتفه الأسباب.
الرجل يقتل ويجد من يبرر، والمرأة تُقتل وتُلام.
---------------------------
بقلم: إنچي مطاوع






