07 - 12 - 2025

صباحيات | فجوة الخمسين مليار دولار

صباحيات | فجوة الخمسين مليار دولار

السؤال الذهبي الذي ينبغي طرحه بعد قراءة مقال الدكتور أحمد حمدي درويش الفخ الاقتصادي لعام 2026: هل تنجح مصر في تفكيك قنبلة الديون السائلة؟، هو كيف نجتاز الفجوة التمويلية في عام 2026، والتي تقدر بنحو 50 مليار دولار، وكيف نكسر الحلقة المفرغة التي وقع فيها الاقتصاد المصري؟

لقد اجتهد الصديق العزيز الدكتور أحمد حمدي درويش في هذا المقال لتحديد هذه الفجوة تحديدًا دقيقًا وتحليلها، ووضع ثلاث سيناريوهات محتملة قد تترتب عليها، مشيرًا إلى أن السيناريو الثالث الأكثر كارثية، وهو سيناريو الانهيار الكامل، أقل ترجيحًا، لكنه حذر من أنه غير مستبعد و"يبقى وارداً في ظل عالم تتنامى فيه حالة عدم اليقين وتباطؤ النمو العالمي، مما يجعل أي صدمة خارجية محتملة أكثر خطورة".  

يرى الكاتب أن السؤال المصيري الحقيقي يتعدى عام 2026، ذلك أن الاختبار الحاسم "ليس في تدبير السيولة لسداد هذه الدفعة من الديون، بل في كسر الحلقة المفرغة التي تدفع البلاد للاقتراض الجديد بشكل أساسي لسداد التزامات قديمة"، مشيرًا إلى أن النجاح في هذا الاختبار يتطلب "تحولاً جذرياً" في نموذج النمو، بالانتقال من الاعتماد على التدفقات المالية قصيرة الأجل والمتقلبة، إلى بناء اقتصاد إنتاجي قادر على توليد تدفقات دولارية مستدامة عبر الصادرات والاستثمارات المنتجة الحقيقية.

التحدي الحقيقي الذي تواجهه مصر، والذي يتطلب تفكيرًا جادًا ومسؤولًا والشروع فورًا في وضع سياسات واتخاذ إجراءات لا يكون همها الأساسي التركيز على الحلول السريعة وقصيرة الأجل التي لا تفعل شيئًا سوى ترحيل الأزمة من موعد لآخر دون حل جذري، مع احتمال مرجح بأن الأزمة المؤجلة ستكون أشد خطورة وأن تأثيراتها الاجتماعية والسياسية والجيوبولوتيكية ستكون أبعد مدى، وستخرج الاقتصاد من حالة التبعية الخطيرة لنظام تمويل قصير الأجل لسد احتياجات طويلة الأمد. وهو وضع يجعل الاقتصاد والبلاد أشبه بمن يقف على أرض مهتزة، حيث يظل "زر الطوارئ" بيد الآخرين، إنه اختبار حقيقي ليس فقط للقدرة على السداد، بل للعلاقات الدبلوماسية والاستقرار الاستراتيجي.

ولا بد من التتبيه هنا إلى وجود خطورة حقيقية في استمرار الحل من خلال الأثمان الاجتماعية الفادحة التي تميل الحكومة إلى تحميلها للسواد الأعظم من المواطنين، في ظل المؤشرات الاجتماعية الراهنة وأن استمرار النهج الحالي هو ما يدفع البلاد إلى كارثة فعلية. يشير الكاتب إلى وجود إدراك عميق لدى صانع القرار لأهمية التحول من نموذج الاعتماد على التمويل القصير الأجل والمتقلب، إلى نموذج قائم على تعبئة استثمارات مستدامة وقابلة للتنبؤ. 

السؤال المصيري الذي يطرحه المقال للمرحلة القادمة هو: هل سيسمح الوقت والضغوط الهائلة لمواصلة البناء على هذا المسار الطويل بينما تُخمد حريق الديون القصيرة؟ أم أن إغراء الحلول السريعة سيطغى مرة أخرى على الرؤية الاستراتيجية؟ وإجابة هذا السؤال قد تحدد مصير الاقتصاد المصري لعقود قادمة. 

لكن السؤال المترتب على هذا السؤال هو: كيف يُترجم هذا الإدراك إلى تصور وخطة عمل؟ والإجابة على هذا السؤال بيد الخبراء والمختصين شريطة ألا ينحصر التفكير في طرح حلول على طريقة ما ينبغي أن يكون، وإنما تجيب على السؤال المتعلق بمنطق اختيارات صانع القرار والعوائق التي تحول دون تطبيق الحلول المثلى، وكيفية موازنة الضغوط والفرص المتاحة، إنها أسئلة تحتاج إلى تحليل دقيق للاقتصاد السياسي للحالة المصرية الراهنة وتضع في اعتبارها التوازنات الدولية والإقليمية. إننا بحاجة إلى ما يشبه عشرات جلسات العصف الذهني حول السيناريوهات التي يقترحها المقال وغيرها من سيناريوهات، أو على الأقل الحوار حلو حلول يطرحها المختصون من خلال المقالات.
---------------------------------
بقلم: أشرف راضي

مقالات اخرى للكاتب

صباحيات | فجوة الخمسين مليار دولار