- العبودية من قرن الرعب إلى القرن الحادى والعشرين
- من عبودية الاستعمار إلى عبودبة الفقر والديون والصراع
عندما تطالع عنوان الكتاب قد يقفز سؤال: "وهل لازالت توجد عبودية ونحن فى القرن الواحد والعشرين وقد نالت كل الدول الأفريقية إستقلالها؟"
لا تتركك الكاتبة الصحفية عايدة العزب موسى حائرا فبعد أن تنتهى من قراءة الكتاب المكون من أربعة فصول في 231 صفحة ستصل ينفسك للإجابة وهى أن العبودية لم تغادر أفريقيا، اختلفت مظاهر العبودية ولكن جوهرها وأثرها لم يتغير، لم تعد عبودية تجارة الرقيق ولكن عبودية الفقر والجوع والديون، عبودية القهر والاستبداد، عبودية الصراع على السلطة والحروب الداخلية التى تغذيها وتمولها أطراف خارجية.
وقبل أن نستعرض الكتاب القيم نقدم لمحة عن المؤلفة
عايدة العزب موسى كاتبة صحفية بمؤسسة دار الهلال، تخصصت فى الملف الأفريقي أثرت المكتبة بعشرة كتب: "قرن الرعب الأفريقى ، تجارة العبيد فى أفريقيا، شخصيات أفريقية فى السياسة والفن ،غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر ، كشف القارة (مع مجموعة من الزملاء)، حكايات أفريقية (مع الكاتبة زينب صادق)، محنة الصومال من التفتيت إلى القرصنة، جذور العنف فى الغرب الأفريقى، 130 عاما على الثورة العرابية، والعبودية فى أفريقيا الذى صدرت منه طبعة جديدة مؤخرا عن دار إشراقة.
يصحح الكتاب الصورة الذهنية التى رسخها الاستعمار عن "أفريقيا" وتقول المؤلفة فى مقدمة الكتاب لم تكن أفريقيا قارة مظلمة متخلفة عندما وطئها المستعمرون ولم يكن أهلها بدائيين متوحشين يهيمون فى البرارى والغابات، بل كانت قارة ثرية بالحضارات عظيمة وزعامات رائعة، ولم يهلل سكانها فرحا بالمستعمر مقابل حفنة من الخرز، إنما خضعوا ورضخوا تحت ظروف قاسية.
يتكون الكتاب من أربعة فصول ، الأول تحت عنوان المستعمرون الأوائل، يعرض الظلم والقسوة التى عامل بها المستعمر الأفريقى وكيف سحقوا آدميتهم وروضوهم بأبشع أشكال التعذيب ليتحولوا لآلات وطاقة محركة آلات تعمل تحت ضغط وبلا حقوق ، تعرضت المؤلفة لما فعله الإستعمار البلجيكى فى الكونغو، وكيف كان يتم الشنق على الأشجار وتقطع الأيادى، وتناول الفصل تجارة الرقيق على يد البرتغال، وعرضت عملية الإبادة التى ارتكبتها الحكومة الألمانية فى نامبيا مستندة لما جاء فى الكتاب الأزرق .
ويأتى الفصل التانى تحت عنوان فاتورة العبودية الذى ينتقل من الماضى وماحدث من قتل وإبادة وإستغلال إلى الحاضر، والمطالبة بتعريض الشعوب الأفريقية عما لاقت من =المستعمر تعويضا عن خسائر البشر ونهب الثروات.
وتتعرض المؤلفة لمفارقة موافقة الغرب على تعويض اليهود عما لاقوه فى معسكرات الاعتقال أيام النازى، وهى فترة لاتتعدى عشر سنوات وتتساءل: كيف يتم تعويض الأفارقة الذين شحنوا قسرا وكرها عبر المحيط والذين قتلوا وأصيبوا فى عمليات جمع العبيد.
وتناول الفصل بحثا للمحامى البريطانى اللورد أنتونى الذى يتعرض للأساس القانونى للمطالبة بالتعويض الذى قدمه لأول مؤتمر ناقش تعويض الأفارقة عن العبودية، فى العاصمة أبوجا بنيجيريا عام 1993، فالقانون الدولى يلزم من يرتكبوا جرائم ضد الإنسانية بالتعويض.
تنتقل بنا المؤلفة فى الفصل الثالث إلى الشخصيات والزعامات التي حاربت وواجهت المستعمر مثل ياه أسانتيو االمرأة الفولاذية إحدى ملكات الأشاتى فى ساحل الذهب التى رغم عدم إتقانها فنون القتال حاصرت القلعة التى كان المستعمرون البيض يحتمون بها مما إضطر الإنجليز للإنسحاب ، وسارتجى بارتمان التى تعامل معها المستعمر بوحشية وعرضها على مسرح عارية تماما باعتبارها أيقونة لممارسة الجنس لمجرد أن أردافها ضخمة إستمر عرضها لسنوات وعندما نقل بعض الشرفاء قضيتها إلى القضاء رفض القاضى وقف العرض ليستمر ويصل الأمر لعرضها على مسرح بباريس مع حيوانات متوحشة لم يكتفوا بالعرض العارى الإجبارى وإنما حولوها لفأر تجارب وأدخلوها المعمل ليثبتوا بالباطل أن المرأة الأفريقية أكثر بدائية فى شهوتها الجنسية ماتت سارتجي قبل أن تكمل عامها الخامس والعشرين ،والملك خاما الثالث ملك محمية بتسوانا حاتم الطائى الأفريقى الذى أجزل العطاء لأطفال أوربا الجوعى عندما كانت أوربا تتسول الغذاء بعد الحرب العالمية الأولى.
يتناول الفصل الرابع وقائع وأحداث تعرض الفصل لعدة موضوعات متنوعة ، عن الماندونجو مؤسس مملكة مالى القديمة أقوى وأغنى الممالك التى ظهرت فى غرب أفريقيا، وتعرض الفصل للوجود الأمريكى فى أفريقيا الذى سبق كولومبس، والفلاشا وعمليات التهجير ،البرودر بوند أخطر منظمة سرية فى جنوب أفريقيا وهى منظمة ذات نظام سياسى إرهابى ، التشكيك فى الجذور أشهر الأعمال الأدبية عن الرق .
فى نهاية الكتاب تجد عنوانا يجيب عن السؤال الذى يثيره إسم الكتاب العنوان هو عبيد القرن الواحد والعشرين تعرض فيه المؤلفة مشاهد للعبودية فى هذا القرن .
المشهد الأول سفينة تضم مئات الأطفال الأفارقة على سواحل غرب أفريقيا يعرضون للبيع بسبب فقر أسرهم، وعندما رفضت السلطات فى الكاميرون السماح برسو السفينة وتحولت لقضية تحركت اليونيسيف والصليب الأحمر لإنقاذ الأطفال وعندما وصلو لم يجدوا غير 8 أطفال من بين 180 طفلا تم نقل ال8 أطفال لملجأ وبقى مصير الباقين مجهولا هل تم إلقائهم فى المياه خوفا من المساءلة.
المشهد الثانى 4200 طفل وصبى من جنوب السودان فقدوا ذويهم فى الحرب فتحت لهم أمريكا أبوابها بصورة لم يسبق حدوثها وسط شكوك من الأهداف هل عملوا كرقيق فى المصانع والحقول أم تحولوا لقطع غيار بشرية خاصة وانهم بلا أهل يتابعون مصيرهم
المشهد الثالث لإمرأة شابة تعرض للبيع فى موريتانيا، تخرج المظاهرات فى الشوارع فقد ألغيت العبودية فى موريتانيا ثلاث مرات آخرها عام 1980، ولكن الفقر وماعانته موريتانيا من جفاف على مدار أربع عقود أعاد العبودية.
نعود للسؤال الذى بدأنا به وهو وهل مازالت أفريقيا تعانى العبودية؟ والإجابة بعد قراءة الكتاب نعم تعيش أفريقيا عبودية بسبب الفقر والديون والحروب الأهلية والاستبداد.
والعبودية كما جاء فى مؤتمرالأمم المتحدة مقاومة العبودية عام 1956، هى ملكية شخص لآخر وهى فى جوهرها معاملة الآدمى بوصفه سلعة وشيئا يباع ويشترى.
الكتاب لايصحح الصورة الذهنية عن أفريقيا التى رسخها الغرب ولكنه أيضا يعيد رسم صورة الغرب سرقوا ونهبوا ثروات أفريقيا ولا يزالون، مارسوا الإرهاب ضد الشعوب من قتل وإجبار على العبودية والعمل كآلات بدون حقوق وبدون حماية، هذا هو الغرب الذى يرفع الآن شعارات حقوق الإنسان ، حالة وحيدة يمكن تصديق شعارات حقوق الإنسان وإعتبار ما جرى جرائم إرتكبها الأجداد وتبرأ منها الأحفاد بالإعتذار وتقديم تعويضات عن ما ارتكبه الأجداد من جرائم ضد الإنسانية وتعويض عن نهب ثروات أفريقيا .
------------------------------
عرض: نجوى طنطاوى






