01 - 12 - 2025

قيمة

قيمة

في الوقت الذي وقّع فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم اتفاقاً تجارياً يفتح الباب أمام واشنطن للوصول إلى احتياطات ماليزيا من المعادن النادرة، فموازين القوة في العالم تتحرك بصمت نحو معادن صغيرة الحجم لكنها ثقيلة الوزن في الاقتصاد العالمي، العالم لم يعد يتصارع على النفط، بل على العناصر التي تشغّل التكنولوجيا الحديثة من الهواتف الذكية إلى الصواريخ ومن البطاريات إلى السيارات الكهربائية.

المعادن الأرضية النادرة وهي المجموعة المكوّنة من سبعة عشر عنصراً كيميائياً أصبحت بمثابة الأكسجين لصناعات القرن الحادي والعشرين، تنتج الصين حوالي 70 في المئة من خاماتها وتتحكم في أكثر من 90 في المئة من عمليات معالجتها، نذكر شددت بكين قيود التصدير هذا العام؛ كيف ارتجّت الأسواق وبدأت الدول الصناعية الكبرى تتحرك لتأمين بدائل، لذا يأتي الاتفاق الماليزي مع الولايات المتحدة كخطوة في حرب تكنولوجية هادئة لإعادة توزيع النفوذ الصناعي في العالم لا مجرد صفقة تجارية، هذه التحولات تطرح سؤالاً مباشراً على القاهرة:

أين نقف من سباق المعادن النادرة؟

الواقع أننا نمتلك احتياطات كبيرة في مناطق عدة منها صخور الفوسفات في أبو طرطور بالصحراء الغربية وصخور الصحراء الشرقية الممتدة بين قنا والقصير، كما أكدت دراسات جيولوجية حديثة وجود تراكيز من عناصر مثل النيوديميوم والسيريوم واللانثانوم التي تدخل في صناعة المغانط الدائمة والأجهزة الإلكترونية المتطورة، ومع ذلك كل هذا غير مستغل تجارياً فالمشكلة في ما بعد الاستخراج لما تتطلبه عملية الفصل والمعالجة من بنية تحتية كيميائية معقدة واستثمارات ضخمة وخبرة فنية دقيقة.

خلال السنوات الأخيرة بدأت الدولة تعطي التعدين مساحة أكبر في خططها التنموية وارتفع إنتاجها من المعادن غير البترولية، لكن قطاع المعادن النادرة تحديداً لا يزال في بداياته يدور أغلبه في نطاق الأبحاث والدراسات، لذا فالتحدي الحقيقي هو الانتقال من مرحلة المعرفة النظرية إلى إقامة صناعة متكاملة قادرة على خلق قيمة مضافة، فالمعادن النادرة سلعة لا تُباع بالطن بل هي مادة خام تُصنع منها تكنولوجيا المستقبل، القيمة تأتي من تحويلها إلى منتجات تدخل في الصناعات الإلكترونية والطاقة النظيفة.

نحن في حاجة إلى استراتيجية وطنية واضحة للمعادن الحيوية تجمع بين تطوير القدرات المحلية وإقامة شراكات ذكية مع دول تمتلك التكنولوجيا والخبرة مثل اليابان أو كوريا الجنوبية أو أستراليا، شراكات تضمن نقل المعرفة لا اللجوء الى المستثمر الأجنبي المحتكر فقط، يكفي شعار "نُصدّر الخام ونستورد المنتج"، جغرافية مصر ورقة رابحة وموقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر وقناة السويس يجعلها مركزا لوجستيا وصناعيا لمعالجة المعادن وتصديرها نحو أوروبا وأفريقيا، ورقة تحتاج دعما بسياسات علمية واستثمارية جريئة وبنية بحثية قادرة على مواكبة التطور العالمي في مجالات التعدين والمعالجة البيئية الآمنة.

العالم يعيد رسم خريطته الصناعية والتكنولوجية ومن يسيطر على سلاسل إمداد المعادن النادرة يملك مفاتيح المستقبل، ومصر تملك الموارد وتملك الموقع لكنها تحتاج إلى قرار، يربط بين العلم والصناعة والسياسة، لاستغلال ثروة مدفونة تحت الأرض تمثل اختبارا لقدرتنا على التفكير الطويل المدى في عالم لا ينتظر المترددين.
------------------------------
بقلم: إنچي مطاوع

مقالات اخرى للكاتب

قيمة