25 - 11 - 2025

مصر الآن أمام لحظة الحقيقة

مصر الآن أمام لحظة الحقيقة

تمر الدول أحيانًا بلحظات فارقة لا تحتمل التردد أو الحسابات الضيقة. لحظات تشبه الوقوف على حافة صامتة، لا تصرخ، لكنها تحمل ما هو أخطر من الصراخ. اليوم، تبدو مصر واقفة على تلك الحافة بالضبط. فما شهدته الساحة خلال الأسابيع الماضية — من ارتباك انتخابي، وتجاوزات لافتة، وصمت رسمي أثقل من الحدث نفسه — لم يعد مجرد اضطراب عابر، بل مؤشر واضح على أن البنية الإدارية والسياسية تحتاج إلى مراجعة جذرية، لا إلى مسكّنات ظرفية.

تدخّل الرئيس عبد الفتاح السيسي لوقف ما جرى في انتخابات مجلس النواب حمل رسالة مباشرة بأن الأمور خرجت عن السيطرة، غير أن الرسالة التي تلقاها الشارع كانت أعمق وأبعد: أين الرقابة التي تمنع تكرار الأخطاء نفسها في كل محطة سياسية؟ وهل يمكن ترميم قمة الهرم بينما قاعدته تعاني التآكل؟

جهاز المحليات هو النظير الأقرب لحياة المواطنين اليومية، لكن هذا الجهاز — عبر سنوات طويلة — تحول إلى ما يشبه “السلطة الموازية”. نفوذ بلا محاسبة، وقرارات بلا منطق، وثروات تتراكم بلا تفسير. كل شيء قابل للبيع والشراء: رخص، مخالفات، نفوذ، وحتى حقوق البسطاء. هنا لا نتحدث عن خلل إداري، بل عن تشوّه بنيوي؛ منظومة اعتادت العمل في الظل وصنعت لنفسها قوانينها الخاصة.

في المشهد السياسي، يستمر الشلل معلنًا. الوجوه نفسها لا تغادر، المقاعد تتبدل دون تغيير فعلي، والأحزاب تفتقر إلى البرامج والرؤية والقاعدة الشعبية. الانتخابات تُحسم في الغرف المغلقة قبل أن تصل إلى الشارع، وفي ظل هذا الواقع يغيب العنصر الأهم في أي عملية سياسية: التمثيل الحقيقي لإرادة الناس.

اقتصاديًا، يواصل السوق التحرك بمنطق غير مفهوم. الأسعار ترتفع بلا أسباب واضحة، والفوضى تضرب آليات العرض والطلب، فيما يتحمّل المواطن عبئًا أكبر مما يستطيع احتماله. لم يعد الناس يبحثون عن تبريرات أو خطابات، بل عن نتائج ملموسة، وعن إدارة تضبط إيقاع السوق قبل أن يتصدع البيت من الداخل.

ورغم اتساع مساحة الغضب الشعبي، لم تصل الأزمة إلى نقطة القطيعة. المصريون لم يفقدوا إيمانهم بالدولة، بل فقدوا ثقتهم في من أساؤوا إليها. لم يفقدوا الأمل، لكن صبرهم تآكل.

اليوم، لم يعد السؤال موجَّهًا للشارع، بل للرئيس مباشرة: هل تبدأ المواجهة الحقيقية؟ مواجهة المنظومة لا الأشخاص، الفساد لا مظاهره، الجذور لا الفروع.

الدولة التي لا تُصلح جهازها الإداري تتآكل مهما امتلكت من قوة، والدولة التي لا تراجع توجهاتها تكرر أزماتها مهما حسنت النوايا.

مصر اليوم لا تحتاج حملة تجميل شكلية، بل حركة تصحيح شاملة. والأهم: قرار شجاع بأن زمن الترقيع انتهى، وأن المرحلة المقبلة ليست لإدارة أزمة جديدة، بل لإنهاء الأزمة من جذورها.
---------------------------------
بقلم: إبراهيم خالد


مقالات اخرى للكاتب

مصر الآن أمام لحظة الحقيقة