في خضم الجدل الدائر حول المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب الأخيرة في مصر، جاء بيان الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم ليضع النقاط على الحروف، مُقرًا بوجود مخالفات وتجاوزات شابت هذا الاستحقاق الانتخابي، الأمر الذي حال دون تجسيد إرادة المواطنين بصورة كاملة. اعتراف الرئيس، وإن جاء في سياق دعوته إلى تصحيح المسار، يفتح الباب أمام نقاش واسع حول كيفية ضمان تمثيل حقيقي وصادق للإرادة الشعبية.
أول ما يفرض نفسه عند تناول هذا الموضوع هو النظام الانتخابي الحالي، والذي يواجه انتقادات واسعة كونه يهدر أصوات شريحة كبيرة من الناخبين. النظام القائم على القائمة المغلقة أو الفردي ليس كافيًا لضمان تمثيل شامل وتنافسي، لأنه غالبًا ما يؤدي إلى هيمنة مجموعات بعينها أو إقصاء القوى المعارضة. في ظل هذه الظروف، تبقى إرادة الناخبين، التي يفترض أن تكون المحرك الأساسي للعبة الديمقراطية، مجرد ظِل باهت لما يمكن أن تكون عليه.
إلى جانب النظام الانتخابي، يأتي التقييد الكبير الذي تتعرض له الحياة السياسية في مصر. الأحزاب السياسية، التي يُفترض أن تكون حواضن للتنوع والتعددية، تجد نفسها محاصرة بقوانين صارمة، وملاحقات، ومجال عام محدود لا يسمح لها بالقيام بدورها الطبيعي. غياب السياسة الحقيقية يعني غياب الحوار وغياب المنافسة القائمة على البرامج والرؤى المختلفة، وهو ما يجعل العملية الانتخابية في النهاية مجرد إجراءات شكلية لا تعبر عن ديناميكية مجتمع حي ومتفاعل.
المشهد الإعلامي بدوره ليس بمنأى عن هذه الأزمة. حين تُفرض قيود على المنصات الإعلامية، ويُمنع صوت أو يُقصى رأي، فإن المواطن يُحرم من حق المعرفة، ويُحرم من فرصة تكوين موقف مبني على المعلومات. الإعلام الحر ليس رفاهية، بل هو شرط أساسي لأي ديمقراطية ناضجة، لأنه يسلط الضوء على الاختلالات، ويتيح المجال للنقد، ويعبر عن صوت المواطن وليس فقط صوت السلطة.
ولكي تكون هناك انتخابات تعبر عن إرادة الشعب الحقيقية، لا بد من إصلاحات بنيوية عميقة، وإعادة النظر في قانون الانتخابات واعتماد نظام يتيح فرصًا متساوية للمنافسة بين البرامج السياسية لا بين النفوذ المالي، مرورًا بإحياء الحياة الحزبية وتوفير مناخ حقيقي يضمن حرية تكوين الحركات السياسية والتعبير عنها، وصولاً إلى تحرير الإعلام من الوصاية والتحكم.
إن الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية، وهو هدف استراتيجي لا يختلف عليه أحد، لن يتحقق من خلال الرقابة والسيطرة، بل عبر بناء نظام سياسي يعترف بالاختلاف ويشرعن المشاركة. إعادة هندسة المجال العام بكل مكوناته السياسية والإعلامية والقانونية والانتخابية هو الطريق الوحيد لضمان أن يكون المواطن في قلب أي عملية ديمقراطية، وأن تُعبر المجالس المنتخبة فعلاً عن خيارات الناس، لا عن ترتيبات مسبقة.
بيان الرئيس السيسي لم يكن نهاية المطاف، بل يمكن أن يكون بداية لمسار إصلاحي إذا اقترن بإرادة سياسية حقيقية تعي أن الشرعية الأقوى هي تلك التي تأتي من صندوق الانتخابات الحر والنزيه، ومن شعب يشعر أن صوته مسموع وقراره محترم.
----------------------------
بقلم: إبراهيم خالد






