"مصر شابة" و"شبابنا بخير"، و"الأجيال تتواصل"، تلك هي العبارات، التي تبادرت إلى ذهني وأنا أتابع تدفقات الشارع المصري من أسوان جنوباً إلى الإسكندرية شمالاُ، ومن الخارجة ومطروح غربا إلى طابا البحر الأحمر شرقاً على المتحف الكبير، والأهرامات، وهو يرد على من حرموا الزيارات للمتحف ومقتنياته، ومن شككوا في مصرية التراث الفرعوني.
وفق تقديرات، فإن نسبة الشباب بين زوار المتحف تتجاوز الثلاثة أرباع من الزوار في الأيام الماضية منذ الافتتاح، بمتوسط يومي 19 ألف زائر، وتم تجاوز هذا في أيام الإجازة الأسبوعية، ليصبح المشهد هو الأكبر في تاريخ الزيارات المتحفية في مصر ودول أخرى، في مؤشر على أن المتحف المصري سيأتي ضمن المتاحف الأولي في عدد الزيارات عالمياً، بخلاف أنه الأكبر في عدد القطع الأثرية ذات التاريخ الواحد، لحضارة واحدة.
وبالبحث فإن المتحف المصري الكبير، هو الوحيد الذي سجل الحد الأقصى لطاقته الاستيعابية في عدد الزوار، في ضوء حجم الإقبال، وهو ما سيعطيه ميزات أخرى، في إمكانية لتسجيل أرقام قياسية في موسوعة جينيس للأرقام القياسية، خصوصاً ما يتعلق بأعداد القطع الأثرية التاريخية المعروضة لحضارة واحدة.
وأنا أتابع حركة الزوار للمتحف، عادت بي الذاكرة لأول زيارة قمت بها لمتحف "أرميتاج" في مدينة "سان بطرسبرج" الروسية، في مطلع الثمانينيات، أي قبل حوالي 40 عاماً، وهو واحد من المتاحف بالعالم، ويضم خمسة ملايين عمل فنى ولوحة وقطعة تراثية، وغيرها، معروضة وغير معروضة، مع العالم أن المتحف يضم جناحاً للتراث المصري القديم.
وقال لي مرافقي خلال الزيارة، يحتاج الزائر لمشاهدة متحف أرميتاج بالكامل لنحو خمس سنوات ليقف أمام كل لوحة دقيقة واحدة، ولزيارة أهم الأعمال ما بين 4 إلى 6 ساعات، وللتمعن البسيط في المعروضات فالزائر يحتاج إلى ثلاثة أو أربعة أيام.
ومن أهم ما يتم الاهتمام به في معرض أرميتاج وجود فريق كبير من العلماء والخبراء المتخصصين في الآثار القديمة، ومنها الأثار المصرية، وكذلك المتخصصين في الفنون، والذين يعملون في معهد متخصص في صيانة وترميم الآثار، وخاصة المعروضة في المتحف، ويضاف إليهم أعداد سنوياً لتنشئة أجيال متتالية من المتخصصين في ترميم وصيانة الأثار، مع تخصيص ميزانية سنوية ضخمة للإنفاق على أعمالهم.
ومن مهام هذا الفريق ضمن فريق عمل كبير في المتحف، تقديم دراسات تفصيلية عن كل قطعة، لتحقيق عدد من الأهداف، منها توفير معلومات للزوار، وكذلك للباحثين من أنحاء العالم، لتحقيق موارد إضافية للمتحف، والدولة الروسية عامة.
ولفت نظري أن متحف أرميتاج يتيح خدمة للمتطوعين للعمل والبحث خصوصاً من الشباب، وهي فكرة مهمة توفر قنوات تواصل بيم المتحف والناس، والأجيال الشابة، لتعريفهم بتاريخ العالم، وانتقاء بعضهم، وتحفيزهم للتخصص في علوم الآثار والترميم، ودراسة مختلف التخصصات، مع العالم أن متوسط عدد الزوار السنوي للمتحف ما يتجاوز الـ5 ملايين زائر، والمعروضات تتنوع بين اللوحات الفنية والتماثيل، والقطع الأثرية، والمسكوكات، والأيقونات، والميداليات، وكلها تنتمي لحضارات وعصور مختلفة من أنحاء العالم، بما فيها روسيا.
أعتقد أن المتحف المصري الكبير، يمتع بميزات مهمة عن باقي متاحف العالم، خاصة ما يضمه من مقتنيات للحضارة المصرية، وارتباطه الجغرافي في موقع واحد مع منطقة الأهرامات وأبو الهول التاريخية، وهو ما يمثل أرضية لتنفيذ العديد من الأفكار لتحفيز الشباب لدراسة تاريخ بلاده المصري، ما قديم منه أو حديث، ويمكن إقامة بروتوكولات بين إدارة المتحف ممثلة لوزارة السياحة والآثار، والكليات المتخصصة في الأثار، والسياحة، والفنون بكل أنواعها، وتوظيف هذا الاهتمام من الشباب، والذي جاءت مؤشراته قوية، في هذا الحرص المتمثل في تدفقهم اعداد كبيرة منهم على زيارة المتحف.
وهناك إمكانية، لتطبيق بعض الأفكار في المتحف المصري الكبير، وتحديداً تلك الأفكار المطبقة في متاحف العالم، ومنها متحف أرميتاج في سان بطرسبرج، خصوصاً فكرة العمل التطوعي للشباب، وفق معايير واختيارات دقيقة، بعد اختبارات متعمقة في التراث والفنون واللغات المختلفة، بخلاف تأسيس معهد يعتني بالدراسات والبحث والترميم، ومن أجل تراكم وتناقل الخبرات، لضمان أجيال متتالية من المتخصصين في هذا المجال، وضرورة توفير الدراسات عن كل قطعة للباحثين من أنحاء العالم، وغير ذلك من الأفكار.
---------------------------
بقلم: محمود الحضري






