في كل مسيرة فكرية كبرى، يبرز قادة تتجاوز بصماتهم حدود الجغرافيا والسياسة لتصبح جزءاً من الذاكرة الإنسانية المشتركة. والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، هو واحد من أولئك الذين استطاعوا أن يحوّلوا مفهوم القيادة إلى مشروع ثقافي وإنساني شامل، تتقاطع فيه التنمية بالمعرفة، والابتكار بالهوية، والخيال بالفعل.
ففي رؤيته، ليست الثقافة ترفاً فكرياً، بل قوة ناعمة لصناعة المستقبل، وليست المعرفة هدفاً بذاتها، بل وسيلة لترسيخ القيم وبناء الإنسان وتمكينه ليكون محور التنمية وغايتها. وفي هذا السياق من الإبداع والإنجاز، أعلنت جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية عن منح جائزة الإنجاز الثقافي في دورتها التاسعة عشرة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، تقديراً لمسيرته الاستثنائية في دعم الثقافة والمعرفة والابتكار على المستويين العربي والعالمي.
وجاء في بيان مجلس أمناء الجائزة "حيث يُكرَّم الفكر لا الاسم، والمسيرة لا المنصب، وقف مجلس الأمناء أمام تجربةٍ لا تشبه إلا ذاتها، وبعد تأملٍ عميق في أثر هذه التجربة وما تركته من بصماتٍ في الثقافة والتنمية والإنسان، تقرّر منح "جائزة الإنجاز" للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، تقديراً لمسيرةٍ جعلت من العطاء أسلوب حياة، ومن التنمية رسالة، ومن الإنسان محوراً، ومن المستقبل هدفاً سامياً".
وأكد البيان أن "مسيرة سموه لم تكن سلسلة من الإنجازات فحسب، بل منظومة فكرية متكاملة تؤمن بأن الثقافة هي روح التنمية، وأن بناء الإنسان هو المشروع الأكبر لأي نهضة حقيقية. فقد جسّد سموه نموذج القائد الذي يجعل من المعرفة طاقة للتغيير، ومن الإبداع وسيلة لبناء السلام والتسامح، ومن العطاء إرثاً مستداماً".
وأشار مجلس الأمناء إلى أن منح الجائزة لسموه هو تكريم لفكرٍ تنويريّ أعاد تعريف معنى الإنجاز، وأرسى أسساً جديدة لمفهوم القيادة الثقافية التي تجمع بين الإبداع والإنسانية، والمعرفة والعمل، والحلم والإنجاز.
وسلّط البيان الضوء على أبرز المبادرات التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد، والتي تحوّلت إلى علامات مضيئة في المشهد الثقافي العربي، من بينها مبادرة "تحدي القراءة العربي" التي تعد أكبر تظاهرة قرائية باللغة العربية في العالم، واستطاعت منذ انطلاقها عام 2015 استقطاب أكثر من 163 مليون طالب وطالبة، لترسخ رؤية سموه بأن “القراءة هي حجر الأساس لكل نهضة فكرية وتنموية".
كما أشار البيان إلى مبادرة “نوابغ العرب” التي أُطلقت عام 2022 لاكتشاف الموهوبين العرب وتمكينهم من المساهمة في ازدهار الحضارة الإنسانية، إلى جانب تأسيس مكتبة محمد بن راشد التي أصبحت صرحاً معرفياً عالمياً يعزز مكانة الثقافة في مسار التنمية المستدامة.
وتوقف البيان كذلك عند المدرسة الرقمية، أول مدرسة من نوعها في العالم توفر التعليم الرقمي المتكامل للمناطق الأقل حظاً، مؤكداً أن هذه المبادرات تجسّد رؤية الشيخ محمد لبناء مستقبل متوازن يقوم على العدالة المعرفية وتمكين الإنسان أينما كان.
ومن بين إنجازاته النوعية في دعم اللغة العربية، أطلق جائزة محمد بن راشد للغة العربية، التي أرست مكانتها العالمية كمنصة للإبداع اللغوي والفكري، وأسهمت في تعزيز حضور العربية في الفضاء التقني والمعرفي المعاصر.
كما أشار البيان إلى إسهامات سموه الأدبية والفكرية الغزيرة، التي تنوعت بين الشعر والسيرة والفكر، ومنها مؤلفات مثل علمتني الحياة، رؤيتي، قصتي، ومضات من فكر، تأملات في السعادة والإيجابية، وغيرها، والتي شكلت ذاكرة فكرية متجددة لقيادة تؤمن بأن الكلمة فعلٌ يغير الواقع.
وفي ختام البيان، أكد مجلس أمناء الجائزة أن منح جائزة الإنجاز للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هو احتفاء برؤية قائدٍ جعل من الثقافة جسراً نحو المستقبل، ومن الفكر العربي قوةً ناعمة تحاور العالم بلغات الإبداع والإنسانية.






