٢٠٢٥ موسم الانتخابات في مصر
الانتخابات السياسية في مصر غير كاشفة، لا ترسم لنا خريطة صحيحة لتوجهات الرأي العام، ولا تقترب مطلقا من "المزاج" الشعبي للناخبين، ودائما ما تجري وفق آلية أمنية/قانونية، تم هندستها منذ عقود طويلة، تراكمت خلالها التجارب والخبرات، إلى أن بلغت مستوى"الخوف من السياسة أحيانا والشك في نزاهتها أحيانا أكثر، ما أدى إلى عزوف الناخبين، الذين يتشكل منهم المجتمع، عن المشاركة فيها.
قليلون من الشعب المصري لا يعرف وجها سياسيا وحدا من المترشحين للبرلمان، الذي يشرع القوانين ويراقب الحكومة، لكن كُثُر يعرفون جيدا مرشح الرئاسة في النادي الأهلي، محمود الخطيب، الفائز بقائمته بالتزكية، وكُُثر أيضا من المصريين يعرفون هشام توفيق المرشح للرئاسة في نادي هليوبوليس، وأسامة أبو زيد المرشح رئيسا لمجلس إدارة نادي الشمس، ورؤساء الأندية الأخرى كالزمالك والاتحاد السكندري والمصري والإسماعيلي وغيرها.
باختصار، ومن الآخر، يمكن التأكيد على أن الانتخابات الحقيقية (اللي بجد) الكاشفة عن توجهات وميول ومزاج الرأي العام، لن تجدها إلا في النقابات والأندية الرياضية، فهي انتخابات نظيفة لا تعرف الرشى والتدليس.
على تلك الخلفية، وهذا الإيقاع"الانتخابي" في مصرنا الحبيبة، تدور بعد ساعات قليلة واحدة من المعارك الانتخابية النزيهة، في نادي هليوبوليس، وسط تطلعات وطموحات حائرة بين"شكل" الرئاسة ومضمونها.
على مستوى الشكل الاجتماعي، يعتبر الوزير السابق هشام توفيق، الأكثر شهرة ونجومية من بين المرشحين الثلاث الآخرين في نظر الكثير من أعضاء الجمعية العمومية للنادي، حيث يتمتع بلقب: معالي الوزير"مثل منافسه الوزير الأسبق هشام زعزوع، بيد أن الأخير لا يتمتع بالثروة الهائلة التي يتمتع بها معالي الوزير هشام، الذي جمع ثروته واستثمارته من البورصة المصرية والمضاربة فيها، خصوصا بعد تعيينه، رئيسا لأكبر"تجمع مالي" يتخصص في الإنفراد بسوق الأوراق المالية العام 2017 (على ما أذكر)، ضم "حيتان" البورصة تحت اسم شركة "فانتج" الذي امتلك هشام توفيق من أسهمها ما نسبته 45%، في مناخ سياسي/اقتصادي، لا يعرف الشفافية، ويخشى من إتاحة المعلومات، وأيضا غياب التشريع القانوني الذي يتيح وينظم تداول المعلومات، امتثالا لما أوجبه دستور 2014.
بالسياسة والقانون، والنفوذ والعلاقات الخاصة، افتقد سوق المال المصري بالتزامن الشفافية، ما جعل كيانا استراتيجيا مثل البورصة، منشأة مظلمة، يتوه فيها الفقراء، وينخدع فيها الأثرياء، وبدا الطرفان وكأنهما يقفزان في الظلام.. لا أبواب مفتوحة للمعلومات الموثوق فيها، تسمح للمستثمرين أو الشركات والأفراد، الدخول إلى سوق تداول الأسهم باطمئنان وثقة، فجالت التسريبات وصالت في الغرف المظلمة، لدرجة تحول معها "التسريب الواحد" إلى سلعة في حد ذاتها، لها قيمتها السوقية، وتعود بالأرباح الطائلة على البعض، مثل هؤلاء الذين ربحوا ما يعادل 80% من بيع أسهم إحدى الشركات بعد ثلاثة أسابيع من شرائها، وأضرت كُثُر، مات فريق منهم بالسكتة القلبية، وآخر بالإنتحار، وثالث بالسجن، ورابع بخسارة ممتلكاته وأسرته، وما تزال خسائر المتعاملين مع البورصة، سواء كانوا رابحبن أو خاسرين، تمضى في ذات الاتجاه، حيث النور المعتم الذي لا يجعلنا نرى كل ما يدور هناك.
ليس لذلك يعتبر هشام توفيق الأكثر شهرة من حيث الشكل، إنما أيضا النسب العائلي، مع الرئيس الأسبق الوزير الراحل فؤاد سلطان الذي يعد واحدا من الذين تركوا بصمات رائعة في النادي، وكان(رحمه الله) من أهم الداعين لخصخصة القطاع السياحي.
الشكل لم يتوقف عند اللقب أو الثراء أو النسب، إنما للشخص ذاته الذي يتمتع بهيئة "خواجاتي" ترضي غرور الشخصية المتفردة لنادي هليوبوليس الذي ينضوى تحت عضويته كبار رجال الأعمل وأصحاب النفوذ والسلطة، والعائلات العريقة، التي يمتد تاريخ عضويتها إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية (وربما قبلها)، إلى جانب مئات العائلات الذين لا تعود أصولهم إلى مصر، ولديهم استثمارات هائلة تضيف إلى الاقتصاد الوطني.
لكن مشكلة الوزير السابق هشام أن "شكله" قد يتصادم مع الواقع الحالي الذي تعيشه النخبة المصرية بشكل عام، بعد تعرضها لتحولات متعددة على إثر الواقع الاقتصادي المأزوم، الذي يقضم عملتنا الوطنية شيئا فشيئا، وتسبب في تآكلها، وخسارة الطبقة المتوسطة العليا التي تتشكل منها الجمعية العمومية (في غالبيتها)، لجزء كبير من مدخراتها، ما جعل الكثير منها يهبط درجة (على الأقل) من السلم الاجتماعي الذي وقفت عليه طوال تاريخها وصعدت من خلاله (بالتعليم والثروة) أعلى درجات السلم.
مشكلة هشام توفيق أن برنامجه الانتخابي لا يخاطب هذا الواقع المتغير، المتصاعد نحو التأزم والتعقيد، خصوصا وهو يعتمد في الإصلاح المالي للنادي على زيادة الرسوم السنوية لتجديد العضويات بنسبة تصل إلى 300 %، إلى جانب زيادة رسوم المدارس في 25 لعبة رياضية، ما يزيد من الأعباء المالية على كاهل الأسر في النادي، ويجعل من النادي، هماً ثقيلا على الأعضاء الذين يتكبدون أصلا الكثير من الإنفاق على التعليم والصحة والترفيه وغيره.
مشكلة معالي الوزير في قناعته بإدارة الكيانات الاجتماعية، مثل النادي، على النسق الذي أدار به وزارة قطاع الأعمال، وتم به القضاء على أهم قلعتين صناعيتين في مصر، الحديد والصلب، والقومية للأسمنت حيث ارتكزت فكرته الرئيسية على "الخسائر" التي تتكبدها الشركتان، وأن الخلاص منهما، يرفع عبئا كبيرا عن كاهل الاقتصاد المصري، متجاهلا الأهمية الاستراتيجية لتلك الصناعة الثقيلة الهامة والحيوية.. صحيح أن التفريط في القلاع الصناعية مثل الحديد والصلب، والقومية للأسمنت، وبيعهما بأبخس الأسعار، كان إملاءًً حكوميا، والهدف الرئيس من"توزيره" في مثل هذا الموقع، إلا أن "الشكل" الذي استهوى الوزير، وسعيه الحثيث لإرضاء الحكومة، دفعه إلى إصدار بيان توضيحي من الوزارة يعدد خلاله مصادر وأسباب الخسائر متجاهلا في الوقت نفسه السياسة الحكومية المتصاعدة، قبل توليه الوزاره، لتوريط الشركتين في إنفاقات مالية، تسببت في مثل تلك الخسائر التي ادعاها بيان الوزارة الصادر في عهده، مثل فرض رسوم وضرائب باهظة على مستلزمات الإنتاج، والطاقة (خصوصا القومية للأسمنت) وبيع الغاز الطبيعي بأعلى من أسعار بيعه لإسرائيل.
لم يتبق أخيرا سوى الخبرة الإدارية لهشام توفيق، الذي يتفاخر بها نتيجة توزيره وصعوده للصف الأول من النخبة المصرية، وهو فخر ربما يكون في محله، إلا أن الخبرة الإدارية التي اكتسبها ليست من البورصة بالطبع، حيث أن إدارة الأموال والأسهم تختلف عن إدارة الكيانات الاجتماعية، حيث لا تحتاج الأولى مخالطة الناس، والاستماع لشكواهم، بل أثبتت الوقائع والأحداث وسوابق البورصة، أن المضاربة في سوق المال لا تخضع لقواعد إنسانية تراعى مصالح الناس، فضلا عن أن الخبرات الإدارية لا تُكْتَسَبْ من سياسة "الإملاءات" الوظيفية، التي تفرضها الحكومة على أي وزير، إنما من حرية إصدار القرارات وعدم الالتفات إلى المواءمات والتوافقات التي تسير عليها البورصة ووزارة قطاع الأعمال
المشاكل التي يواجهها البرنامج الانتخابي لهشام توفيق، ربما لا يعير لها اهتماما، فالأهم لديه "الشكل" واستكمال الوجاهة الاجتماعية باعتبارها إرثا عائليا، ومكافأة "نهاية الخدمة".. لرجل أفنى نصف عمره، إن لم يكن كله، في المضاربة بالبورصة.. معالي الوزير، لا ينتظر "توزيره"مره أخرى، بعد ان استنزف الغرض منه، ولا يطمع في مناصب تنفيذية حكومية، إنما حسن الختام..
--------------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم






