09 - 11 - 2025

حين تتحول المجاملة إلى "عكسها".. رسالة إلى النائب ياسر جلال

حين تتحول المجاملة إلى

* من الحب ما يجرح.. حين تتحول المجاملة إلى إساءة

من حق أي إنسان أن يُعبِّر عن رأيه ومن الطبيعي أن نسمع كلمات الود والمجاملة بين الشعوب العربية الشقيقة، لكن ما ليس طبيعيًا أن تصدر كلمات تُمجّد طرفًا على حساب وطنك، خاصة حين تصدر من شخصية عامة تجمع بين الفن والسياسة، وتشغل مقعدًا في مجلس الشيوخ بقرار تعيين من رئيس الجمهورية.

تصريحات النائب والفنان ياسر جلال الأخيرة أثارت جدلًا واسعًا في الشارع المصري، لأنها خرجت عن إطار المجاملة المقبولة إلى مساحة من المبالغة غير المبررة.

فحين يذكر النائب وقائع وأحداثًا لم تحدث، في محاولة لإظهار علاقة مثالية بين بلدين، يصبح الحديث أقرب إلى "عكسة على النفس" منه إلى دبلوماسية أو مجاملة.

المشكلة لم تكن في نية الرجل، فربما كان يقصد الخير ويريد أن يُعبّر عن احترامه للأشقاء في الجزائر، لكن أسلوب الطرح خان الفكرة.

فالتاريخ والعلاقات بين الشعوب لا تُكتب بالمشاعر وحدها، بل تُبنى على الدقة في القول والاتزان في المواقف.

وإذا كان النائب أراد أن يُظهر مشاعر الود فقد كان الأولى أن يبدأ بتقدير وطنه الذي أعطاه الشهرة والمكانة والاحترام، قبل أن يُسرف في الثناء على غيره.

فالمصري لا يُلام على حب أي بلد عربي، لكنه يُلام حين ينسى أن مصر هي الأصل، وهي الحضن الكبير الذي جمع العرب وقت الشدة، وكانت ولا تزال السند الحقيقي لكل من ضاقت به الأيام.

من المؤسف أن تأتي هذه التصريحات في وقت تُظهر فيه مصر قيادةً وشعبًا أسمى معاني الاحترام لكل الأشقاء، دون انتظار مقابل أو كلمات شكر.

مصر لا تبحث عن الثناء، فهي تعرف قيمتها جيدًا، ويكفيها تاريخها ومواقفها المشهودة التي لا ينكرها إلا جاحد أو جاهل.

المصريون لم يغضبوا لأن ياسر جلال امتدح الجزائر، فهم شعب طيب يعرف معنى الأخوة العربية، لكنهم رفضوا أن يتم ذلك عبر مقارنات أو مبالغات تمسّ مكانة بلدهم.

فالانتماء لا يقبل المساومة، والكلمة مسؤولية، خاصة حين تصدر من نائب تحت قبة البرلمان.

ويبقى الدرس الأهم أن المجاملة حين تتجاوز حدها تفقد معناها، وأن الكلمة التي تُقال في لحظة حماس قد تُحدث ما لا يُحدثه فعل.

فيا سيادة النائب، حبك للأشقاء لا يحتاج إلى تزيين بالخيال أو وقائع غير صحيحة، فالمحبة يعبَّر عنها بصدق، لا بمبالغة.

وستظل مصر، رغم كل ما يُقال، الركيزة الكبرى للعالم العربي، والبيت الذي يلجأ إليه الجميع وقت الأزمات.

فهي التي دعمت قضايا الأمة دون تردد، وقدّمت أبناءها دفاعًا عن العروبة والكرامة.

لا تنتظر شكرًا ولا مجاملة، لأن مكانتها لا تُمنح بكلمة ولا تُنتزع بتصريح، بل رسّخها التاريخ على مدار آلاف السنين.

الحديث عن مصر يحتاج إلى وعيٍ بمقامها، وإدراكٍ لتاريخها، فهي ليست دولة عابرة في خريطة السياسة، بل أصل الحضارة ومنبع القوة الثقافية والفكرية في المنطقة.

ومن يجلس تحت قبتها نائبًا، أو يتحدث باسمها فنانًا أو إعلاميًا، عليه أن يزن كلماته بميزان الوطن قبل العاطفة، وأن يدرك أن كل حرف يُقال قد يُفهم على غير ما يُراد، فيتحول من مديح إلى إساءة دون قصد.

ربما يُغفر لياسر جلال حماسه أو انفعاله، لكن ما لا يُغتفر هو التهاون في حق بلدٍ هو الذي صنع نجوميته ومنحه المكانة التي يتحدث منها الآن.

المصري بطبعه كريم في مشاعره، لكنه غيور على وطنه، لا يقبل أن يُقال عنه ما لا يليق، حتى لو كان من باب المجاملة.

وفي النهاية، أقولها بوضوح: مصر لا تنتظر من أحد أن يذكّرها بقيمتها، ولا تحتاج إلى من يمنحها شهادة حسن سلوك أو نوايا. فهي كانت وستظل أم الدنيا، درع الأمة وسندها، شاء من شاء وأبى من أبى.

ومن أراد أن يُجامل، فليُجامل بالحق، وليتحدث بما حدث، لا بما يتمنى أن يكون، لأن الحقيقة لا تُجمَّل بالكلمات، والوطن لا يُساوَم عليه بالمشاعر.
-------------------------------
بقلم: أحمد صلاح سلمان


مقالات اخرى للكاتب

حين تتحول المجاملة إلى