07 - 11 - 2025

رشقة أفكار | الشيوعي النيويوركي .. هل يغلق دفاتر عزاء اليسار المصري!

رشقة أفكار | الشيوعي النيويوركي .. هل يغلق دفاتر عزاء اليسار المصري!

- المؤسسات الإسلامية هل ستتقدم بالتهاني والتبريكات بعد فوز ممداني بالعمودية ؟
- تخيلوا: احزاب اليسار المصري مغلقة ومعتمة ولاتناقش قضايا الفقراء التي أشعلها المرشح الاشتراكي في نيويورك!
- أحزاب نيبال الشيوعية تشكل تحالفا من ١٠ احزاب تؤكد انها ستحقق الصدارة في الانتخابات المقبلة.. فهل تلقى اليسار المصري العزاء في نفسه؟

- خمسمائة فكرة وفكرة تدور بالرأس الواحد، بعد فوز زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك!

هل أبرق له اليسار المصري - والعربي - ببرقيات التهاني، كونه شيوعيا - اشتراكيا، يتهمه خصومه بأنه شيوعي، أعاد للفكرة "المطموسة" اسمها وبريقها في العالم؟

- الناشطة الاميركية اليمينية لورا لومير تتساءل بغضب: لماذا يكتفي الديمقراطيون بوصف ممداني بأنه الشيوعي الأخطر فقط؟ إنه مسلم شيعي جهادي والإسلام تهديد كوني!

هنا تثور التساؤلات: هل هنأه مجلس علماء المسلمين؟ هل فعل الأزهر ذلك كونه الأب الروحي للمسلمين في العالم؟

.. و كونه مسلما شيوعيا هل يجعل اليسار العالمي يلتف حول ممداني.. المفاخر باشتراكيته، وإن كنا لانعرف كثيرا من الجذور الفكرية التي جعلته ينتمي إلى هذا المعسكر (لانعرف إن كان لينينيا أو ماويا أو فابيا .. أو حتى عفلقيا، فكل محركات البحث لا تشير إلى أنه تتلمذ على أيدي ماركس، أو أنه قرأ له كتابه رأس المال، أو تأثر بالماوية (ماو تسي تونج زعيم الحزب الشيوعي الصيني) أو أنه كان من معتنقي الاشتراكية الفابية (المبادي الاشتراكية بالوسائل السلمية، من أبرز دعاتها في العصر الحديث  برنارد شو)!

.. وهل إعادة إحياء الإشتراكية في نيويورك - والعالم، الذي أعيدت على أسماعه هذه الفكرة مؤخراً مع كل ظهور لممداني -  أثرت على اليسار المصري او العربي؟ ماذا سيفعل الشيوعيون في مصر، وهم الذين يرفضون منذ سقوط جورباتشوف (وتدمير الاتحاد السوفيتي على يديه ) تلقي "العزاء في الشيوعية"، بحسب مانشرته على غلافها في ذلك الوقت "مجلة اليسار" التي كان يصدرها حزب التجمع .. بالمناسبة ماذا ستفعل الفصائل الشيوعية واليسارية في مصر وكيف استقبلت نجاح ممداني الاشتراكي - أو الشيوعي بحسب لورا لومر - وإن كان الفارق كبيرا، فليس كل اشتراكي شيوعيًا، لكنها - لورا - التي تحرض عليه الجميع، فتلطخ سمعته بأنه اشتراكي شيوعي و مسلم جهادي، وبالطبع لو كانت هنالك فرصة لاتهامه بمعاداة السامية لما تأخرت هي وصديقها في نفس الاتجاهات والرؤى دونالد ترامب؟

ماذا سيفعل الحزب الشيوعي.. والذي يبدو أنه لن يستطيع الاجتماع لمناقشة هذا الأمر، لأن جدول أعماله متخم بالقضايا، وعلى رأسها استقالة الطبيب النفسي على شوشان! وماذا سيفعل معقل الفصائل اليسارية في مصر وهو حزب التجمع الذي يعاني كثيرًا كثيرًا .. فرغم أنه إسماً أصبح ملتقى للشخصيات التجمعية (من كل الجذور الماركسية والاشتراكية الديمقراطية والناصرية إلى آخره.) هل سيتقدم "التجمع" ببيان لتهنئة الرفيق الاشتراكي زهران ممداني.. وهو مايعني أنه مطالب بعقد حلقات نقاشية وجلسات استماع وندوات لمناقشة اشتراكية ممداني ..ومدى تعبيرها عن أي أفكار توافقية تهم اليسار العربي والمصري في القلب منه؟ أم ان الشيوعيين والتجمعيين هذه المرة سيتقبلون العزاء فعلا في كل شيء.. حتى أن هناك انتخابات - ولو كانت مجرد لقطة فوتوغرافية أو  اسماً صوريًا فقط - والحزب لا وجود له مطلقا، وإن كان تم تعيين رئيس الحزب في مجلس الشوري - رفقة محمد أبو العلا رئيس الحزب الناصري ، فيما نجحت الكاتبة الكبيرة أمينة النقاش في الفوز بعضوية المجلس، بعد ترشحها على القائمة الوطنية من أجل مصر، رفقة المهندس أحمد شعبان !

ماذا سيفعل الناصريون إذن؟ هل هم من سيتقدمون بالتهاني لممداني؟ كون الطرح الذي طرحه لأهل نيويورك والتهبت والتهب العالم كله به، لما فيه من احساس حقيقي بمعاناة الطبقات الفقيرة - طبعا الفقر في أميركا وفي اكبر بلداتها مختلف عن الفقر في بر مصر ووادي النيل والشام !

طبقا لدونالد ترامب فإن ممداني شيوعي مائة في المائة.. لكن ترامب أطلق الجملة لترويع الناخبين، ولم يقدم الدليل، أما  رئيس تحرير جيروزاليم بوست فطالب بالتوحد ضد هذا الشيوعي وإسقاطه، بنفس الأساليب التي استخدمها اليهود في إسقاط زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كورين، ولكن الهدف كان إبقاء الملف اليهودي له الأولوية وصدارة الأخبار، وأن تبقى جذوة قضية معاداة السامية مشتعلة في الإعلام !

كل هذا يحدث واليسار الغربي والمصري في قلبه مشغول بقضايا أخرى !مشغول "بالفراغ !!" فالمقرات الرئيسية لليساريين من مختلف الفصائل مظلمة، وحتى قاعات وغرف الاجتماعات السرية تقريبًا مغلقة!

ممداني يشعل الحرب الشيوعية من اجل النيويوركيين، فهناك ٦٧ بالمائة من السكان (يبلغ إجماليهم حوالى ٩ مليون نسمة) في شقق مستأجرة، ويفتقر ٨٠ بالمائة منهم إلى سيارة خاصة، وبالتالي يفرض هذا مجانيّة المواصلات العامة، كما أن سياسة الايجارات تسببت في سحب آلاف الشقق من السكان، ومع وجود قوانين بيئية صارمة وزيادة تكلفة الطاقة والعمالة يرفع أسعار السلع والخدمات الأساسية، ومن ثم فإن طرح ممداني الشيوعي يسعي إلى اعادة التوازن إلى هذه المنظومة!

شخص واحد في مدينة مثل نيويورك - هناك متنافسون آخرون على نفس المنصب في ولايات أخري بالطبع - أشعل الانتخابات، لأنه قدم طرحًا يخوض المعارك اليومية مع الناس! (متى كانت آخر مرة قرأت فيها هذه العبارة في وسيلة إعلام يسارية؟! يااااه .. يالمأساة القوم كان ذلك في فترة إصدار الأهالي الورقية، وكنا ننتظرها جميعا صحفيين وكتابا ومبدعين وساسة ومواطنين مساء كل ثلاثاء ( أو صباح كل أربعاء، مالم يتقرر مصادرة أعدادها)، كان حزب التجمع عبر الأهالي لسان حال الحزب اليساري الشرعي والأبرز، يؤمن إيمانًا جازمًا بأنه خلق ليخوض المعارك اليومية مع الجماهير! ما الذي حدث، فأصبح التجمع مجرد جدران معتمة، لا تناقش رآيا ولا تشعل جدلا ولا تناقش سياسة ولا تدعم حتي جماهير وتخوض معاركها مع الناس؟ هل تقبل التجمع العزاء في يساريته واشتراكيته؟ في شيوعييه وتجمعييه، فلم تعد تجد منهم أحدًا الأن إلا أقطابا قلائل: الأساتذة سيد عبدالعال رئيسًا.. وعضوا بمجلس الشورى، امينة النقاش المتحدث باسم الحزب عضوا بنفس المجلس، محمد سعيد أمينا عاما،  ومحمد فرج أمينًا عاما مساعدًا للعمل الجماهيرى، وعاطف مغاوري وكان نائباً برلمانيا في المجلس القديم ورئيسا للهيئة البرلمانية للحزب، ويبقى الدكتور جودة عبدالخالق رمزا من رموز الاقتصاد، والذي لم يكن قادرا على مواجهة طوفان عمليات الخصخصة والبيع أثناء وجوده وزيرًا للاقتصاد !

لم يبق تجمعيون من الرموز، وليست هناك افرازات لعناصر جديدة أو كوادر جديدة، فالجمود سيد الموقف منذ تحالف التجمع مع النظام، بسبب قضية الارهاب، ولا هو ولا الدولة نجحوا حتى الآن في مكافحة الإرهاب! مأساة لايعاني منها التجمع وحده، فهكذا المنتسبون للحزب الناصري، يقضون بعض الوقت في خلافات وإغلاق مقار، وفي بعض الليالي يقيمون ندوات تخلو من حضور ومشاركة رموز تقدر عبد الناصر، فلا الأستاذ الجمال ولا عبد الله السناوي ولا عبد الحليم قنديل - مثلا- مرحب بهم في أي فعالية، ويبقى الموقف على ماهو عليه، فلا صحيفة تعبر عنهم ولا موقع إليكتروني ولا شيء، اللهم إلا بعض المقاومين للجمود الحالي بالغناء!

تخيلوا ان هناك مايسمى بانتخابات برلمانية ومقار الأحزاب اليسارية كلها معتمة، فلا مناقشات ساخنة حول المرشحين ولا خلفياتهم السياسية والفكرية ونزاهتهم ومصداقيتهم من عدمه، ولا مناقشة لقوانين انتخابات مقيدة للترشح، وتجعل من غرفتي مجلسنا النيابي مجرد وجوه لامعة، بالبدل والكرافتات السينييه، وأبهة وفخامة السيارات الخاصة ومواكبها التشريفاتيه، فضلا عن المطمع الأبرز والأهم وهو التحلي بالحصانة البرلمانية! كل هذا كان يلهب خيال التجمع ويشعل مقاره ومانشيتات صحيفته في أزمان كان يخوض فيها المعارك اليومية مع الجماهير!

لا عزاء لليسار المصري، فرغم أن ممداني وزملاؤه يشعلون الحياة الأميركية بالانتخابات والانتقادات والبود كاست  وبرامج التوك شو ويصل صوتهم إلى أربعة أنحاء المعمورة، ولا يوجد حزب واحد في مصر أقدم على اجراء انتخابات داخلية، ترفع أسماء وتبرز أخرى إلى الواجهة وتعيد الدماء إلى مقار فارغة حتى من اللقاء والألفة، ناهيكم عن النقاشات والأفكار! غابت مؤتمرات عامة، يمثل غيابها شللا لليسار كله وجموده، وخفوت الصوت واختناقه بالعبرات والدموع على مجدٍ قد كان،  وقدم الحزب كل هذا للسلطة في مقابل زهيد، من أجل شيء واحد هو التحالف مع الدولة - التي لاتكافح الإرهاب الديني- في مكافحة الإرهاب!

يكتب حسن بدوي زميلنا الكبير في صحيفة الأهالي وقطب الحزب الشيوعي المصري مثمنا نجاح زعماء ١٠ أحزاب شيوعية في تشكيل الحزب الشيوعي النيبالي بقيادة بوشبا كمال داها "براشاندا" - إسمه هكذا - وأنهم يتعهدون بأن يصبحوا بعد توحدهم الأكثر نفوذًا في نيبال ووصولهم إلى الصدارة بعد الانتخابات المقبلة.. مشيرا إلى أن أحد بنود اتفاق الأحزاب العشرة ينص على أن الماركسية اللينينية هي الفكر الموجه للحزب، وأن إستراتيجيته تهدف إلى الدفاع عن مكاسب الثورة الديمقراطية الشعبية وإرساء أسس الاشتراكية!

التحرك الذي قام به الشيوعيون النيباليون يعني ان الساسة والمفكرين والحزبيين والشيوعيين في نيبال مازال فيهم "الرمق".. لكن حسن بدوي - والرفيق الكبير صلاح عدلي متعه الله بالصحة والعافيه - لم يقولا لنا ماهو مصير حزب المنجل والمطرقة (الشيوعي المصري) هل يتغلب على جموده وابتعاده الهائل عن الجماهير وانحساره في فعاليات أدبية بمقر نادي أدب آفاق اشتراكية ، الذي لولا نشاط آديبتنا الكبيرة بهيجة حسين لخفت الصوت أكثر واقتصر على بعض البيانات في المناسبات السياسية، ويحاول العمل والوصول إلى الناس ولو بتحالفات من أي نوع، يتجاوز بها خلافات الأحزاب المصرية، التي تؤثر تأثيرًا فادحا في فاعلية التيار اليساري بصفة عامة؟

هذا الجمود الملاحظ في كل أروقة العمل الحزبي والسياسي الاشتراكي يثير التساؤلات: هل يتلقى هؤلاء العزاء في الفكر الاشتراكي؟ هل أحيا ممداني الفكر الاشتراكي في نيويورك والعالم، بينما أساطينه في مصر والعالم العربي على مشارف إقامة مأتم لليسار العربي والمصري في قلبه؟ مقال أولي فاتح شهية لتلقي الانتقادات التي نتفنن فيها كيساريين !
------------------------------
بقلم: محمود الشربيني


مقالات اخرى للكاتب

رشقة أفكار | الشيوعي النيويوركي .. هل يغلق دفاتر عزاء اليسار المصري!