06 - 11 - 2025

" ومضات فردوسية "

مدخل الروح

في زمنٍ تُثقله الماديات ويبهت فيه المعنى ،

يطلّ هذا التأمل كنسمةٍ من العالم الآخر ،

يوقظ فينا الحنين إلى الأصل الأول ...

إلى النقاء الذي

خُلقنا منه،

وإلى الوعد الذي يسكن أعماقنا رغم صخب الدنيا وضجيجها .

إشراقة الدهشة

يا الله ... كيف أصف ما لا يُوصَف؟

رأيتُ ومضةً من فردوسك فارتجف كياني ، كمن لامس الأبد،

واهتزّ في داخلي الصمت حتى نطق بالدهشة .

كان المشهد أعمق من الخيال ، وأطهر من الحلم ،

كأنه نداءٌ من عالمٍ لا يُقاس بالزمن ولا يُحدّ بالوصف .

ملامح من عالمٍ لا يُقاس

هناك ... لا شيء يشبه ما نعرفه .

الماء ليس ماءً ، بل صفاءٌ يجري كالحكمة في نهر الوعي ،

والنور ليس ضوءًا ، بل حياةٌ تتكلم بلغة الخلود .

القصور أنفاسٌ من بهاءٍ خالد ،

والأرض زهرُ سجودٍ لا يذبل ،

والحورُ تسبيحٌ مجسّد ،

والولدانُ لحنُ طهارةٍ لا ينقطع .

***

كل ما في الجنة يذكُر اسم الله ،

حتى النسيم يمرّ وهو يهمس : سبحانك ... سبحانك .

ولا حديث هناك أبهى من حديث الخالق لعباده ،

ولا صوت يعلو على نداء وجهه الكريم ،

صوتٌ لا يُسمع بالأذن بل يُدرك بالروح ،

فتنحلّ المسافات ، وتولد الأرواح من جديد في نور الرضا .

دهشة لا تنتهي

هناك لا ملل ، ولا كدر ، ولا نسيان ؛

بل دهشةٌ تتجدّد إلى الأبد ،

ونورٌ لا يشيخ ،

ومحبّةٌ لا تنطفئ .

***

وحين تلمسُ النفس معنى ذلك النعيم ، تبكي عجزها ...

كيف نوفّي الخالق حقّه ؟

كيف نتقرّب إلى الكمال بعملٍ ناقص أو بصلاةٍ تغشاها الغفلة ؟

كل ركعةٍ ناقصة ،

وكل دمعةٍ قاصرة ،

وكل صلاحٍ منّا ظلّ لجوده ، لا لجهدنا .

ندم النور وبهاء الرحمة

هناك ندرك أن الجنة ليست جزاءً فحسب ،

بل رحمةٌ أوسع من استحقاقنا ،

وفيضُ عفوٍ من خالقٍ يعلم ضعفنا ويحبّنا رغم النقص .

***

فالحمد لك يا رب ،

على ما أذقتنا من شوقٍ إليك ،

وعلى ما أخفيت لنا من جمالك .

الحمد لك ... عدد أنفاس الذاكرين ،

وعدد من لم يعرفوا كيف يذكُرونك .

خاتمة الخشوع

لك السجود يا الله ،

حتى يفنى السجود ،

ويبقى وجهك الكريم ...

الحقّ الذي لا يفنى .

كلمة الكاتب

لم تكن « ومضات فردوسية » نصًا أردتُ به وصف الجنة ،

بل لحظة صدقٍ نادرة شعرتُ فيها أن الوجود كلّه ينحني أمام الخالق في صمتٍ مهيب .

كنتُ أكتب ويدي ترتجف ،

كأنّ الكلمات تخرج من مكانٍ لا أعرفه ،

مكانٍ بين القلب والسماء .

***

كل ما فينا ناقصٌ أمام فيض الله ،

وكل محاولاتنا للعبادة والتقوى والفلاح ،

ما هي إلا همسات خجلى أمام كماله .

أردتُ فقط أن أقول :

ما أرحم هذا الخالق الذي يفتح لنا باب الفردوس ،

رغم أننا لا نملك المفتاح إلا بفضله .
-----------------------
بقلم: سمير إبراهيم زيّان

مقالات اخرى للكاتب