مدخل الروح
في زمنٍ تُثقله الماديات ويبهت فيه المعنى ،
يطلّ هذا التأمل كنسمةٍ من العالم الآخر ،
يوقظ فينا الحنين إلى الأصل الأول ...
إلى النقاء الذي
خُلقنا منه،
وإلى الوعد الذي يسكن أعماقنا رغم صخب الدنيا وضجيجها .
إشراقة الدهشة
يا الله ... كيف أصف ما لا يُوصَف؟
رأيتُ ومضةً من فردوسك فارتجف كياني ، كمن لامس الأبد،
واهتزّ في داخلي الصمت حتى نطق بالدهشة .
كان المشهد أعمق من الخيال ، وأطهر من الحلم ،
كأنه نداءٌ من عالمٍ لا يُقاس بالزمن ولا يُحدّ بالوصف .
ملامح من عالمٍ لا يُقاس
هناك ... لا شيء يشبه ما نعرفه .
الماء ليس ماءً ، بل صفاءٌ يجري كالحكمة في نهر الوعي ،
والنور ليس ضوءًا ، بل حياةٌ تتكلم بلغة الخلود .
القصور أنفاسٌ من بهاءٍ خالد ،
والأرض زهرُ سجودٍ لا يذبل ،
والحورُ تسبيحٌ مجسّد ،
والولدانُ لحنُ طهارةٍ لا ينقطع .
***
كل ما في الجنة يذكُر اسم الله ،
حتى النسيم يمرّ وهو يهمس : سبحانك ... سبحانك .
ولا حديث هناك أبهى من حديث الخالق لعباده ،
ولا صوت يعلو على نداء وجهه الكريم ،
صوتٌ لا يُسمع بالأذن بل يُدرك بالروح ،
فتنحلّ المسافات ، وتولد الأرواح من جديد في نور الرضا .
دهشة لا تنتهي
هناك لا ملل ، ولا كدر ، ولا نسيان ؛
بل دهشةٌ تتجدّد إلى الأبد ،
ونورٌ لا يشيخ ،
ومحبّةٌ لا تنطفئ .
***
وحين تلمسُ النفس معنى ذلك النعيم ، تبكي عجزها ...
كيف نوفّي الخالق حقّه ؟
كيف نتقرّب إلى الكمال بعملٍ ناقص أو بصلاةٍ تغشاها الغفلة ؟
كل ركعةٍ ناقصة ،
وكل دمعةٍ قاصرة ،
وكل صلاحٍ منّا ظلّ لجوده ، لا لجهدنا .
ندم النور وبهاء الرحمة
هناك ندرك أن الجنة ليست جزاءً فحسب ،
بل رحمةٌ أوسع من استحقاقنا ،
وفيضُ عفوٍ من خالقٍ يعلم ضعفنا ويحبّنا رغم النقص .
***
فالحمد لك يا رب ،
على ما أذقتنا من شوقٍ إليك ،
وعلى ما أخفيت لنا من جمالك .
الحمد لك ... عدد أنفاس الذاكرين ،
وعدد من لم يعرفوا كيف يذكُرونك .
خاتمة الخشوع
لك السجود يا الله ،
حتى يفنى السجود ،
ويبقى وجهك الكريم ...
الحقّ الذي لا يفنى .
كلمة الكاتب
لم تكن « ومضات فردوسية » نصًا أردتُ به وصف الجنة ،
بل لحظة صدقٍ نادرة شعرتُ فيها أن الوجود كلّه ينحني أمام الخالق في صمتٍ مهيب .
كنتُ أكتب ويدي ترتجف ،
كأنّ الكلمات تخرج من مكانٍ لا أعرفه ،
مكانٍ بين القلب والسماء .
***
كل ما فينا ناقصٌ أمام فيض الله ،
وكل محاولاتنا للعبادة والتقوى والفلاح ،
ما هي إلا همسات خجلى أمام كماله .
أردتُ فقط أن أقول :
ما أرحم هذا الخالق الذي يفتح لنا باب الفردوس ،
رغم أننا لا نملك المفتاح إلا بفضله .
-----------------------
بقلم: سمير إبراهيم زيّان






