06 - 11 - 2025

فرانكو_Arab

فرانكو_Arab

بينما أتصفح فيس بوك إذ صادفتنى بعض مرئيات لبعض المعماريين المصريين، فأبطأت مرورى عندها قليلًا، وتوقفت أنصت إلى ما يكون من حديث بين المعمارى ومحاوره، فوجدت أن أكثر سؤال المحاور، وإن شئت فقل شكواه: لماذا بيوتنا حارة الهواء حامية الجدران وكانت بيوت أجدادنا أروح وأبرد؟! فيجيبه المعمارى: بأننا أخذنا عن الغربيين معمارهم الذى يوافق بيئاتهم الباردة، فهندسوها وصنعوها لتنال الحظ الأوفى من أشعة الشمس الضنينة هناك، ثم تحبسها بين جدرانها فيستدفئ بذلك أهل البيت، أما بيوت أسلافنا فهندسها معماريونا لتوافق جونا الحارّ، فتجد جدرانها ثخينة من اللبِن بطىء الاحترار، ونوافذها مشربيات من خشب تفى لأهل الدار بالضوء وترد عنهم الحر، ولها ملاقف هواء تستقبل الريح من أعلاها ثم تديره فى غرف الدار وحجراتها ثم تخرجه فيتجدد غيره، فأسلافنا علموا أن بلادهم حارة، وشمسهم متوقدة، فلاءموا بين معمار بيوتهم وجو بلادهم، فكانت بيوتهم أبرد وأصح وأروح، أما نحن فقد خُدعنا عما تنبه إليه الأجداد فصارت بيوتنا أحرّ وأحمى، فاضطررنا إلى المكيفات، فاستهلكت مزيد طاقة، ونفث مزيد حرارة.

ثم إنى أنعمت النظر فى الأمر فوجدت قول هؤلاء المعماريين صائبًا صحيحًا يصلح أن يُقاس عليه كثير من شئوننا فى مصر والبلاد العربية، فنحن قد فُتنا بما عند الخواجة من العلوم، واُخِذنا بما عنده من المخترعات، فظننا أن كل شىء عنده هو تقدم، فذهبنا نأخذ عنه كل ما وجدناه من قانون، وفنون، وطعام، ولغات، وعادات، وفلسفات، وأزياء، وأهواء، حتى صارت ثقافتنا رقاعًا قليلات الائتلاف، فبعضها عربى إسلامى، وكثير غربى كولونيالى! وبينما نحن نسارع بالتقاط ما عند الخواجة كنا نُسقط أجزاء من لغتنا، وثقافتنا، وتراثنا، وأخلاقنا، وصبغتنا، وتشريعنا؛ تهاونًا بها واستصغارًا لقدرها حين رأينا الخواجة لا يعتمدها ولا يزكيها، وذلك دون إنعام نظر فيما أخذنا، ولا مراجعة فكر فيما تركنا، فربما كان النفع فى شىء من القديم الموروث، وربما كان الضرر فى شىء من المستحدث المستجلب، وربما كان الأنفع هو جمع محاسن القديم والمحدث معًا، وطرح مساوئهما معًا إن أمكن ذلك.

إن النقل عن الخواجة، والأخذ منه فى أمر العلوم والمعارف والصناعات أمر محمود مرغوب ومندوب إليه لمن أراد النهوض والتقدم، بل هو من فروض الكفاية التى تأثم الأمة إذا ترك كل أفرادها الأخذ بها، ولا يجحد هذا إلا من لم يرد لنفسه ولا لأمته الخير، أما أن تحمل عن الغرب أهواءهم، وآراءهم، وفلسفتهم دون فقه ولا نظر ولا بصيرة فذلك يفسد عليك معيشتك، وينزع عنك صبغتك، ثم تلتفت فتجد نفسك (فرانكو_Arab) لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
-------------------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

فرانكو_Arab