05 - 11 - 2025

لماذا يفشل السلام بين الفلسطينيين والصهاينة؟

لماذا يفشل السلام بين الفلسطينيين والصهاينة؟

منذ أكثر من سبعة عقود، تعاقبت المبادرات والاتفاقيات والمؤتمرات والوساطات من أجل تحقيق تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن النتيجة بقيت واحدة: سلامٌ معلّق على ورق، وواقعٌ ميداني يتجه إلى مزيد من التوتر والتصعيد.

لا يعود ذلك إلى خلل في التفاوض فحسب، بل إلى طبيعة الصراع نفسه وبُنيته التاريخية والسياسية.

أولًا: اختلال موازين القوى

يقوم السلام الحقيقي على اعتراف متبادل وحقوق متوازنة، بينما يعيش الفلسطينيون في ظل احتلال عسكري، وحصار جغرافي واقتصادي، وفقدان للسيادة. في المقابل، تمتلك إسرائيل دعمًا عسكريًا وسياسيًا غير محدود من القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة.

هذا الاختلال يجعل أي عملية تفاوض شبيهة بمحاولة عقد اتفاق بين قوة تمتلك السيطرة وأخرى تسعى للنجاة.

ثانيًا: اختلاف مفهوم "السلام" بين الطرفين

يختلف تعريف السلام بين الطرفين جذريًا:

في الرؤية الإسرائيلية الرسمية، يُنظر إلى السلام بوصفه اعترافًا بشرعية الكيان القائم واستقرارًا أمنيًا داخل حدوده.

أما بالنسبة للفلسطينيين، فالسلام يعني إنهاء الاحتلال، واستعادة الأرض، وعودة اللاجئين، وتحقيق السيادة الوطنية.

هذان التعريفان لا يلتقيان لأن أحدهما يسعى لتثبيت الوضع القائم، والآخر يسعى لتغييره جذريًا.

ثالثًا: الاستيطان بوصفه نقيضًا مباشرًا لأي تسوية

منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، تضاعف عدد المستوطنين في الضفة الغربية عدة مرات.

كان من المفترض أن تكون هذه الفترة انتقالية نحو دولة فلسطينية، لكن الواقع شهد تكريسًا لسياسة توسيع المستوطنات وضم الأراضي.

لا يمكن بناء سلام على أرض تُنتزع يومًا بعد يوم.

رابعًا: صراع الرواية والذاكرة

يحمل كل طرف روايته التاريخية بوصفها جوهر وجوده:

تقدم إسرائيل نفسها من خلال رواية مختلقة بوصفها الأمة المختارة.

يقدم الفلسطينيون أنفسهم بصفتهم أصحاب وطن تاريخي.

غياب الاعتراف بالحقائق يجعل أي تسوية تقنية معرضة للانهيار، لأنها لا تمس جذور الوعي والهوية.

خامسًا: دور القوى الإقليمية والدولية

تشكّل الولايات المتحدة الطرف الأكثر تأثيرًا في مسار التفاوض، لكن انحيازها السياسي والعسكري لإسرائيل حوّلها من وسيط إلى طرف.

في المقابل، أدى تراجع الدور العربي وتشتت مراكز القوة الإقليمية إلى ضعف الإسناد السياسي للقضية الفلسطينية، مما أفقد المفاوض الفلسطيني القدرة على الضغط.

سادسًا: طبيعة المشروع الصهيوني ذاته

المشروع الصهيوني منذ نشأته كان مشروعًا استيطانيًا إحلاليًا قائمًا على فكرة السيطرة على الأرض وإعادة تشكيل ديموغرافيا السكان.

هذه البنية لا تتوافق بطبيعتها مع مبدأ المشاركة أو تقاسم الأرض، لأنها تقوم على نفي وجود الآخر بصفته شعبًا أصيلًا.

فشل السلام ليس حدثًا عابرًا أو سوء تقدير دبلوماسي، بل نتيجة مركبة لنزاع لم تُعالَج جذوره.

أي سلام حقيقي لا يمكن أن يقوم إلا على: إنهاء الاحتلال والاعتراف المتبادل بالحقوق الوطنية والتاريخية وتحقيق العدالة قبل الأمن.

ومن دون ذلك، ستظل كل الاتفاقيات تدور في دائرة إدارة الصراع بدل حله، ويبقى السلام مؤجلًا إلى حين إعادة صياغة موازين القوة والرواية والحقوق.

----------------------------------

 بقلم: حاتم نظمي


مقالات اخرى للكاتب

لماذا يفشل السلام بين الفلسطينيين والصهاينة؟