للمرة الأولى، تعترف الآلة الدبلوماسية لدولة الإمارات العربية المتحدة بوقوع أخطاء في سياستها تجاه السودان، بعد أن تكبدت أضرارًا على سمعتها بسبب دعمها لقوات الدعم السريع، الميليشيا السودانية التي نفذت عمليات قتل جماعي في الفاشر منذ استيلائها على المدينة أواخر الشهر الماضي.
وتحدث أنور قرقاش، المبعوث الدبلوماسي الأبرز للإمارات، في البحرين يوم الأحد، قائلاً إن الإمارات ودولًا أخرى أخطأت حين لم تفرض عقوبات على مُحرّكي انقلاب عام 2021 — الذي قادته قوات الدعم السريع والجيش معًا — وأطاح بالحكومة المدنية الانتقالية في السودان.
وقال قرقاش: "لقد ارتكبنا جميعًا خطأً عندما أطاح الجنرالات الاثنان، اللذان يخوضان الحرب الأهلية اليوم، بالحكومة المدنية. كان ذلك خطأً فادحًا بالنظر إلى الوراء. كان ينبغي أن نقف جماعيًا ونضع حدًا للأمر. لم نصفه بأنه انقلاب".
ويُعد هذا الموقف تحولاً لافتًا، فقد عملت الإمارات بشكل نشط على تقويض فكرة وجود حكومة ديمقراطية مدنية قوية في السودان بعد الانتفاضة الشعبية التي أنهت حكم عمر البشير — الديكتاتور الإسلامي التوجه الذي حكم لثلاثة عقود — في أبريل 2019.
وسعت الإمارات والسعودية خلال عام 2019، "بدافع الحرص على انتقال مستقر"، إلى تعزيز دور الجيش وتهميش السلطة المدنية، بما في ذلك الترويج لفكرة أن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) يجب أن يكون مسؤولًا عن السياسة الاقتصادية.
ووافقت السعودية والإمارات سريعًا على تقديم قرض بقيمة 3 مليارات دولار للمجلس العسكري الانتقالي الذي سعى أولًا لخلافة البشير في خطوة أشبه بـ "دبلوماسية الإنقاذ"، وعندما أصبحت للمدنيين اليد العليا في الحكومة في أواخر 2019، تم وقف صرف دفعات إضافية من القرض.
وكتب جوناس هورنر من "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"، مؤخرًا أن خسارة هذا القرض لم تُضعف الحكومة المدنية فحسب، بل أدت مباشرة إلى انقلاب 2021، الذي أعقبه اندلاع الحرب الأهلية بين الجيش وقوات الدعم السريع عام 2023.
وأضاف: "كان من المحتمل أن يكون مصير الحكومة الانتقالية مختلفًا جذريًا لو أن دول الخليج دعمتها بالمليارات التي وعدت بها الجيش".
الإشارة بالاتهام
بعد مرور أربع سنوات على الانقلاب، يُعد اعتراف قرقاش مؤشرًا على أن الإمارات تقر — علنًا على الأقل — بأن سياستها تجاه السودان انحرفت، وأن عليها أن تبتعد عن قوات الدعم السريع، القوة التي دعمتها وساعدت في تنميتها.
وباتت فكرة ان الإمارات قد سلحت قوات الدعم السريع سرًا أمرًا واضحًا بعد الأدلة التي جمعتها الأمم المتحدة وخبراء مستقلون وصحفيون، رغم نفي الإمارات، فقد وجهت إدارة بايدن أصابع الاتهام في يناير، عندما فرضت عقوبات على حميدتي وسبع شركات مقرها الإمارات تموّله.
وقد حذرت مجموعات مدنية سودانية لأكثر من 18 شهرًا من أن قوات الدعم السريع سترتكب عمليات قتل جماعي على أساس عرقي إذا سيطرت على الفاشر، عاصمة شمال دارفور، وكان ذلك يضع مسؤولية خاصة على الإمارات، كونها الدولة الأكثر قدرة على كبح حميدتي، ورغم أن الإمارات أدانت الفظائع التي وقعت في الفاشر، فإنها ألقت باللوم أيضًا على الجيش لرفضه تقديم تنازلات.
وترد الإمارات على الانتقادات الدولية بالتأكيد على أنها تتعرض للتشويه، وأنها ضحية حملة تضليل يديرها "إسلاميون" داخل الجيش السوداني ومنظمات غير حكومية يسارية تعارض منذ وقت طويل نفوذ الخليج.
وتصر الإمارات على أنها تريد العودة إلى حكومة مدنية في السودان، وتقول إن كلًا من قوات الدعم السريع والجيش فقدا أهليتهما لتحديد مستقبل البلاد.
وتقول شخصيات مثل لانا نسيبة، وزيرة دولة لشؤون الخارجية في الإمارات، إن بلادها ليست الراعي الأساسي للحرب، بل طرف محايد يسعى للتوسط من أجل العودة إلى حكم مدني خالٍ من الإسلاميين، وهو الحكم الذي بدأ بعد انتفاضة 2019 وانتهى بانقلاب 2021.
وقالت ياسمين أحمد، مديرة هيومن رايتس ووتش في المملكة المتحدة، إن الحد الأدنى لاختبار جدية الإمارات في القطيعة مع قوات الدعم السريع هو تعاون فعّال مع لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة المكلفة بمراقبة حظر الأسلحة المفروض على السودان.
ويقول كاميرون هدسون، كبير موظفي مبعوثين أمريكيين سابقين للسودان: "ما نراه هو إنكار كامل وشامل من السلطات الإماراتية لأي دور أو تورط في هذا الصراع، وما لم نتفق على مجموعة أساسية من الحقائق حول ما يحدث ومن يقود الأحداث، فسيكون من الصعب للغاية التوصل إلى حل".
وسيُحدد ما سيحدث لاحقًا ما إذا كانت الإمارات تعتقد أن قوات الدعم السريع — رغم سمعتها الملطخة بالوحشية — لا تزال ضرورية لتحقيق هدفيها الرئيسيين في السودان والمتمثلة في الوصول إلى الموارد ومنع عودة الإسلام السياسي، أي الاعتقاد بأن الإسلام بطبيعته سياسي ويجب أن يوجّه النظام السياسي، وتعتبر الإمارات أن جماعة الإخوان المسلمين تهديد للأمن الإقليمي.
الموارد الطبيعية
ونجحت الموارد الطبيعية في السودان في جذب دول الخليج منذ عقود، فقد وعد جعفر نميري، رئيس السودان بين 1969 و1985، أن السودان يمكن أن يتحول، مقابل الاستثمارات الخليجية، إلى "سلة غذاء العالم العربي"، وإلى مصدر لقوة عاملة تحتاجها دول الخليج بشدة، وقسم منها يتمتع بتعليم عالٍ.
واستجابت الكويت وقطر والسعودية والإمارات لذلك، وكلٌّ منها وصل إلى الخرطوم وهو يحمل أجندة سياسية مختلفة.
واستثمرت السعودية والإمارات مليارات الدولارات في القطاع الزراعي في السودان لتأمين الغذاء لشعوبهما، بدايةً في عهد نميري، ثم خلال حكم عمر البشير الذي استولى على السلطة في 1989 وتحالف مع الإسلاميين.
ولم تشكّل العقوبات الأمريكية الثقيلة على البشير عائقًا حقيقيًا أمام تدفق الأموال الخليجية إلى السودان.
ويقول هورنر، الزميل الزائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "إن هذه الملكيات الشابّة الثرية – التي تستورد أكثر من 80% من غذائها – تعتبر تأمين الوصول إلى الزراعة والثروة الحيوانية والمعدنية في السودان مسألة شبه وجودية".
وجعل الموقع الاستراتيجي للسودان على البحر الأحمر منه مكانًا جذابًا للغاية للإمارات لبناء موانئ.
ووقّع كل من مجموعة موانئ أبوظبي المملوكة للدولة وشركة Invictus Investment صفقة بقيمة 6 مليارات دولار للاستثمار في ميناء أبو عمامة، على بُعد 125 ميلًا شمال بورتسودان في ديسمبر 2022، وألغى عبد الفتاح البرهان، القائد الفعلي للسودان، العقد لاحقًا، لكن الإمارات ستسعى إلى إحياء المشروع عند ظهور أي خليفة له.
وتملك مصارف إماراتية حصصًا في بنك الخرطوم، أكبر بنك تجاري في السودان، وتسهل منصته الرقمية تحويل الأموال للملايين من السودانيين النازحين وللمؤسسات العامة.
غير أن الذهب السوداني يمثل الأهمية الأكبر، ليس فقط لقوات الدعم السريع والجيش – اللذين يعملان ككيانات اقتصادية بقدر ما يعملان كقوتين عسكريتين – بل أيضًا للإمارات.
ويمثل الذهب حوالي 49% من صادرات السودان، وقالت الشركة السودانية للموارد المعدنية، المملوكة للدولة، في فبراير إن إنتاج الذهب في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش بلغ 74 طنًا في 2024، مقارنة بـ 41.8 طنًا في 2022.
وأعلن البنك المركزي السوداني أن نحو 97% من الصادرات الرسمية للذهب (من مناطق سيطرة الجيش) ذهبت إلى الإمارات في 2024، محققةً 1.52 مليار دولار، لكن الصادرات الرسمية هي مجرد جزء ضئيل؛ إذ يُقدَّر أن نحو 90% من الإنتاج، بقيمة تقارب 13.4 مليار دولار، يُهرَّب عبر طرق تمر عبر تشاد ومصر وإثيوبيا وأوغندا وجنوب السودان قبل أن يصل إلى الإمارات.
وكتب أحمد سليمان والدكتور سليمان بالدو في تقرير نُشر الشهر الماضي لصالح تشاتام هاوس: "تواصل الإمارات الاستفادة من الذهب السوداني المرتبط بالصراع، لأن تطبيق القيود على واردات الذهب المستخرج بطرق تقليدية من مناطق تشهد صراعات أو يسيطر عليها مسلحون لا يزال محدودًا".
ويمثل حميدتي القناة الأساسية لارتباط الإمارات بالذهب، إذ بنى معها علاقة خاصة عندما وافق على إرسال قوات الدعم السريع إلى اليمن دعمًا للقوات الإماراتية والسعودية ضد الحوثيين. وتمتلك عائلته، عبر شركتها الجنيد، العديد من المناجم في دارفور.
ولا يحرك الربح وحده الاهتمام الإماراتي، بل السياسة أيضًا حيث تريد الإمارات مواجهة الإسلام السياسي الذي ارتبط به البشير. وكما حدث في تدخلها الموازي في شرق ليبيا وجنوب اليمن.
الضغط الجماعي
والآن، بعدما صار دعم الإمارات لقوات الدعم السريع يهدد سمعتها، أصبحت مطالَبة بالمساهمة في حل الأزمة.
وترى الولايات المتحدة أن الحل يكمن في أن يتوافق الفاعلان الخارجيان الرئيسيان في السودان – الإمارات ومصر، التي تدعم الجيش وتريد إبقاء الصراع داخل الحدود السودانية – على الضغط بشكل جماعي على وكلائهما لوقف إطلاق النار.
واعتُبر البيان الذي اتفقت عليه الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات – أي الرباعية – في 12 سبتمبر اختراقًا؛ إذ وضع مسارًا لهدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تتبعها هدنة دائمة، ثم قيام حكومة مدنية مستقلة ذات شرعية ومساءلة خلال تسعة أشهر.
وأضاف البيان: "سيتولى الشعب السوداني وحده تقرير مستقبل حوكمة السودان، عبر عملية انتقالية شاملة وشفافة، لا تسيطر عليها أي جهة محاربة".
وصان البيان مصلحة إماراتية محددة في فقرة أخرى قالت: "لا يمكن أن يُحدَّد مستقبل السودان بواسطة جماعات متطرفة عنيفة منتمية أو مرتبطة بوضوح بجماعة الإخوان المسلمين، التي غذّى تأثيرها المزعزع العنف وعدم الاستقرار في المنطقة".
ولم تُحقّق المحادثات حول هذه المقترحات في واشنطن نتائج بعد – وهي محادثات استبعدت السودانيين المدنيين حتى الآن – ما يشير إلى احتمال أن يتطلب الأمر تدخلًا من مسؤولين أمريكيين أعلى قبل أن يدرك أطراف الحرب وأنصارهم أن استمرار القتال لن يجلب سوى مزيد من البؤس.
-----------------------------------
بفلم: باتريك وينتور
المحرر الدبلوماسي في صحيفة الجارديان





