السؤال المهم الذي يدور الآن حول عملية التعذيب التي تعرض لها معتقل فلسطيني في أحد سجون الاحتلال بعلم وبتعليمات من المدعية العسكرية الإسرائيلية "اللواء يفعات تومر يروشالمي"، السؤال كيف يمكن استغلال هذه العملية، على المستوى الدولي، لكشف وجه دموي للكيان الصهيوني، ويخالف كل الأعراف والمواثيق الدولية.
الفيديو الذي سربته "يروشالمي"، والذي تصل مدته إلى 15 دقيقة، يمثل فرصة كبيرة لفضح هذا الكيان العنصري المحتل، خاصة في ظل توجهات ومطالبات بغلق هذا الملف، استناداَ إلى أن هذا المعتقل الفلسطيني، تم الإفراج عنه ضمن صفقات الإفراج المتبادلة، ووجوده حاليا في غزة.
علاوة على أن الجريمة الصهيونية موثقة، بعمليات تعذيب وانتهاك يخالف كل المواثيق، وحقوق الأسرى، ووصل التعذيب إلى تعذيب بدني، وانتهاك جنسي على معتقل أعزل من جانب جنود الاحتلال، وفي نفس الوقت اعترفت المدعية العسكرية الإسرائيلية بعملية التعذيب، والتي حتما تمت بعلمها، كما اعترفت بتسريب الفيديو لاستمالة المتشددين والمتطرفين في إسرائيل والذين يطالبون بتعذيب الأسرى الفلسطينيين، وأردت بذلك إرسال رسالة لهؤلاء بأن التعذيب يتم.
ولاشك أن الفيديو يكشف جانباً بسيطاً مما يجري في سجون الاحتلال ضد الأسرى والمساجين الفلسطينيين، وأنها سياسة ممنهجة في هذه السجون، وزادت ضراوتها في ظل حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، والتي تضم أكثر العناصر الإسرائيلية تطرفاً في المرحلة الحالية، بل هناك دعوات وسياسات دعا إليها ونفذها وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف " إيتمار بن غفير".
ليس من المهم في هذا اللحظة اعتقال المُدعية العسكرية المستقيلة، اللواء يفعات تومر يروشالمي"، فهذه تصفية حسابات لصراع داخلي في إسرائيل ويتم على خلفية تسريبها للفيديو، ولا يتعلق بعملية التعذيب ذاتها، لأنها من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية، أن الفيديو تشويه لإسرائيل أمام العالم، في ظل ما تتعرض له من ضغوط ولو نسبية من منظمات دولية، ودول في أنحاء العالم، وخشية فتح قضايا ومحاكمات جديدة ضد قادة هذا الكيان المحتل.
الأهم في تلك المرحلة توظيف أزمات اللحظة الراهنة، والمطالبة بمحاكمات جديدة تكشف عورات حكومة الاحتلال، واسقاط أوراق التوت التي تغطي بها أخطاءها، بل جرائمها، خصوصاً في ملف مهم يتعلق بحقوق الأسرى في السجون، والانتهاك المفضوح من هذا الكيان، وكشف القناع الذي دائماً يرفعه بالقول أن الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط !.
ومن المهم أن نلاحظ أن ما يزعج إسرائيل على لسان نتنياهو نفسه، عندما قال "إن ما جرى أساء لصورة إسرائيل، وصورة الجيش الإسرائيلي، وأن تصوير وتسريب الفيديو يساهم في إضاعة من بنته إسرائيل منذ إنشائها من دعاية لصورتها في العالم، وهو ما يتطلب تحقيقاً مستقلاً حول ما جرى من تسريب"، ولم يتحدث نتنياهو من قريب أو بعيد عن الجريمة والتعذيب والانتهاكات بحق الأسرى في سجون حكومته.
الأهم أننا أمام حالة توثيق بحق أسير فلسطيني، وهو ما يؤكد عمليات تعذيب ممنهجة بحق مئات وآلاف الفلسطينيين الآخرين في سجون الاحتلال الصهيوني، وهذا التوثيق لا مجال لأي نفي بشأنه، بعد اعتراف واضح وصريح من المدعية العامة العسكرية، والتي تحمل رتبة رفيعة في الجيش، وهي بالفعل تمثل صورة هذا الجيش العنصري، ومن هنا يأتي الطلب الأهم، في أن يتولى فريق قانوني عربي فسلطيني ودولي توثيق الملف، لتحريك دعوى قضائية أمام المحاكم الدولية، لإضافة جريمة أخرى لسجل جرائم الكيان المحتل، ومحاكمة قادته.
لا يجب أن نغرق أنفسنا فيما يجري داخل إسرائيل، بشأن اعتقال المُدعية العسكرية المستقيلة، أو حتى المُقالة، اللواء "يفعات تومر يروشالمي"، وما يجري بتمديد حبسها تحت التحقيق، تحت مسميات التشويش على مجريات التحقيق، بعد اختفائها وتركها رسالة أنها تعتزم الانتحار ثم اكتشاف مكان اختفائها لاحقا، فهذا كله لا يصب في خدمة ما نقترحه، بل نركز على الاستفادة من كل معلومة، لخدمة ما يهمنا، خصوصاً أن ما جرى من جانب خمسة جنود إسرائيليين بحق أسير فلسطيني، في سجن "سديه تيمان" بجنوب إسرائيل في عام 2024، جريمة متكاملة الأركان.
ولننظر ونقرأ جيداً وبتمعن ما قالته القاضية "شيلي كوتين" في قرارها إن هناك "شبهات بعرقلة سير التحقيق" ووجود "دافع للمس بالأمن العام، كما أن التهم الموجهة لتومر يروشالمي تشمل الاحتيال، وإساءة استخدام المنصب، وعرقلة مسار العدالة، وتسريب معلومات من قبل موظف عام".
فمثل هذا الإتهام هو شأن داخلي إسرائيلي، بينما قضية التعذيب والتنكيل بحق الأسير الفلسطيني، وإن كان حالياً محرراً، بعيدة كلياً عن الاهتمام الإسرائيلي، وهو ما يضع عبئاً على أي فريق قانوني عربي فلسطيني ودولي يتولى إثارة هذا الملف دولياً، والذي يعتبر بالفعل من أخطر الفضائح داخل النيابة العسكرية، وجيش الاحتلال.
------------------------------
بقلم: محمود الحضري






