04 - 11 - 2025

انتهى العرس .. وبدأ الدرس!

انتهى العرس .. وبدأ الدرس!

كلنا غمرتنا الفرحة ونشوة الفخر بأعظم وأعرق حضارة عرفها التاريخ وصنعها الأجداد وعاش في كنفها الأحفاد .. احتفلنا بافتتاح أكبر متحف غني بالقطع الأثرية وبصمات الماضي الإعجازية.. وتنفست الأنوف أوكسجين الأهرامات وأبهرت الملابس الأنيقة العيون وتشربت الحواس عبق الجدران والأحجار الخالدة وشاهد العالم أجمع كيف يبدع المصريون مشهدا أسطوريا في جماله وأبهى صوره، وإن كانت ثمة تحفظات على برنامج الحفل وافتقاره للتنوع في فقراته وضعف الخيال في الرؤية الإخراجية مقارنة بما كان متوقعا من حدث فريد عامر بالتفاصيل والعناصر التي من شأنها خلق نموذج فني وثقافي أكثر بهاء ونضجا.. ولكننا عبرنا القارات أخيرا وقصت الدولة شريط المتحف الكبير بكل حجراته وكنوزه .. وعلينا أن نسارع بقطف ثمار الشجرة قبل أن تفسد أو يصيبها عطب الإهمال والتراخي.. فمن المهم استثمار المكان وموقعه الاستراتيجي في تنظيم رحلات سياحية للأجانب بكثافة وفتح أبوابه لطلاب المدارس والجامعات بصفة دورية ومستمرة على مدار العام وبأسعار مخفضة ومريحة للأسر والعائلات.

المتحف فرصة لمزيد من التوعية بالعبقرية المصرية في النحت والتصوير وإنتاج المعجزات الهندسية وغرس بذور الانتماء في وجدان أجيال تجهل مع الأسف والألم ما ورثوه من فكر وعلم وحضارة .. فضلا عن أن الحدث رسالة إلى قيادات التعليم في مصر لتعديل المناهج وإضافة فصل كامل في كتب الدراسات الاجتماعية يروي تاريخ وقصة كل قطعة أثرية وسير أبطالها من الملوك والكهنة مطعمة بصور فوتوغرافية وفيديوهات حية عن تلك الثروات والموارد النادرة.

خزينة الدولة في انتظار تدفق الملايين من الجنيهات إليها بعد الجذب السياحي المنشود سواء في الداخل أو من أفواج الأجانب .. وأركان المتحف تغري شركات الإنتاج السينمائي وسوق الدراما التليفزيونية لاستغلالها في تصوير الأعمال الوثائقية والفنية مع تقاسم الأرباح الفلكية بين الدولة وجهات الإنتاج، وبما يحقق خدمة الانتشار وفلسفة تسويق القوى الناعمة أسوة بما تفوقت فيه الدراما التركية والهندية في السنوات الأخيرة!.

هذا المولود الجديد في بطن سفح الهرم يحتاج إلى الرعاية والتحصين دائما من براثن الروتين و"شغل الموظفين"، ولا تحميه إلا عقول الابتكار وأصابع الموهبة والإبداع في الإدارة واختيار الكوادر المناسبة على أسس الكفاءة والخبرة لا الثقة ومنطق الحاشية والضمائر الغائبة.. لقد انتهى العرس .. وبدأ الدرس .. ونحن له لجاهزون!.
-------------------------
بقلم: شريف سمير
- نائب رئيس تحرير الأهرام

مقالات اخرى للكاتب

انتهى العرس .. وبدأ الدرس!