فى لحظة زمنية تاريخية خالدة احتفلت مصر ومعها العالم بافتتاج المتحف المصرى الكبير.
وهذا الحدث التاريخى ليس تكرارا لافتتاح مئات المتاحف حول العام على مدى الأزمان. ولكنها لحظة تاريخية سجلت إعادة الحياة لحضارة مصرية متفردة ومتجددة طوال الوقت. المتحف ليس تماثيل صماء بل إعلان وجودى وعلمى وحضارى يؤكد على أن الحضارة المصرية القديمة هى أصل التاريخ وأم الحضارات. فهى التى مزجت الدين بالعلم، والحياة بالمعرفة، وعرفت عن طريق الحياة الخلود. حضارة عرفت واهتدت إلى الإله قبل أن يعرف الانسان الله. عرفت التوحيد قبل نزول الأديان سماوية أو وضعية. اهتدت إلى سر الخلود تكريما لحياة الوجود. عرفت الوصايا الدينية والأخلاقية والإنسانية قبل وصايا موسى.
مارست العلم نظرية وتطبيقا أذهل العالم ولا يزال، لم يصل أحد إلى تلك الأسرار بالرغم من التقدم العلمى والتكنولوجي الجبار الذى يكتسح العالم الآن. وبالرغم من هذا وغيره كثير نرى متخلفى الأفكار ومتجمدى العقول وأصحاب النقل المتناقض كل التناقض مع العقل، ينعتون الحضارة المصرية بالكفر ويصفون ملوكهم بالكفار استنادا لتفسير نصوص دينية تفسيرا حرفيا لا علاقة لها بزمان أو مكان، أو علم أو حقائق تاريخية مادية ملموسة!!
مع العلم أن كبار علماء الآثار وعلى مستوى العالم تأكدوا أن تعبير فرعون هذا هو مسمى لأحد ملوك مصر القديمة وليست لكل حكام مصر. كما أنه وهذا هو الأهم . ففرعون موسى لم يؤمن برسالة موسى (اليهودية وقبل الاسلام) لأنه كانت له ديانته التى تعرف الإله وتعرف الحساب وتؤمن بالبعث بعد الموت، ناهيك عن تلك القيم الدينية والإنسانية التى تأثرت بها كل الأديان فيما بعد وعلى رأسها اليهودية! ثم إذا كان الفراعنة كفار ياعم الحاج هل مطلوب منك استىرجاعهم ومحاسبتهم على ارضيتك الدينية الآن؟ وما دورك وما اختصاصك؟ وعلى ذلك بنظرة شاملة لتاريخ الإنسانية الذى هو سابق وأكبر وأعمق كثيرا من تاريخ الأديان كل الأديان بملايين السنين. هنا هل نتعامل مع كل تقدم تاريخى وحضارى وعلمى على أرضية دينية زمنها لا يمثل غير نسبة ضئيلة فى تاريخ البشرية؟ وهل أنت الآن لا تتعامل مع تلك الحضارات التى تستفيد من إنجازاتها وانت تعتبرها عمل كفار أيضا؟
مصر وشعب مصر العظيم وكل من هو مصرى الأصل ومن تمصر وهم كانوا قلة بالنسبة للشعب، طوال التاريخ يحبون مصر ويفخرون بحضارتها ويتباهون بتاريخها العريق . والمصرى كان يؤمن بديانة مصر القديمة ثم أمن بالمسيحية ثم كان هناك من امن منهم بالإسلام. وفى كل الأحوال الجميع مصريون . فالتاريخ والحضارة والأخلاق موجودة بوجود الانسان، ولذا فهى سابقة على الأديان. ولذا نرى دول لها ديانتها الوضعية أى أنهم كفار فى نظر هؤلاء، ومع ذلك صنعوا حضارات رائعة إضافت للحضارة الإنسانية الكثير والكثير. جاءت الأديان لتعزز وتؤكد تلك القيم الإنسانية والأخلاقية التى لا تتناقض مع المقاصد العليا للأديان كل الأديان.  أما من لا يفتخر بتاريخه المصرى هو حر وله أن يفتخر بتاريخه البدوى والقبلى الذى لا علاقة له أصلا بالدين وقيمه وثوابته. فالدين ليس لمكان ولا لزمان بعينه ولكن الأديان جاءت لأجل الإنسان فى كل مكان وكل زمان . حفظ الله مصر وشعبها العظيم.
-------------------------------
بقلم: جمال أسعد
                    





