* واجه المشروع الذي تبلغ تكلفته مليار دولار انتكاسات متكررة
شهدت مصر يوم السبت احتفالا باهرا حضره ملوك ورؤساء أوروبيون وعرب بمناسبة الافتتاح الكامل للمتحف المصري الكبير - أحد أكثر المشاريع الثقافية طموحا في البلاد - بعد عدة سنوات من التأخير.
استغرق بناء المتحف أكثر من عقدين من الزمن، وتبلغ تكلفته مليار دولار، ويقع بالقرب من أهرامات الجيزة الشهيرة، على مشارف العاصمة القاهرة مباشرة، ويصفه المسؤولون بأنه أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة. كما واجه افتتاحه انتكاسات متكررة، كان آخرها جائحة فيروس كورونا والصراعات الإقليمية. وافتتح جزئيًا العام الماضي.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في حفل الافتتاح: "نحن نكتب فصلا جديدا من تاريخ الحاضر والمستقبل في قصة هذه الأمة العريقة".
تميز الحفل بعرض ضوئي وموسيقي مبهر خارج المتحف، مع شاشات ضخمة تعرض آثار مصر القديمة. قدّم راقصون يرتدون أزياء فرعونية مزخرفة، متوجون بأغطية رأس ذهبية ويحملون صولجانات، عروضًا حية على أنغام أوركسترا عالمية، بينما أضاءت الألعاب النارية والطائرات المسيرة التي تصور آلهة قديمة سماء القاهرة.
وضم الحضور شخصيات بارزة من نحو 80 دولة، من بينهم الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، ورئيس الوزراء الهولندي ديك شوف، والملك الإسباني فيليبي السادس، ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس.
وحضر الحفل أيضا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ووزير الثقافة السعودي بدر بن عبد الله، وولي عهد سلطنة عمان، وولي عهد البحرين.
وأعلنت الحكومة المصرية يوم العيد عطلة رسمية، وأصدرت عملات ذهبية وفضية تذكارية، وطبعت طوابع بريدية خاصة بهذه المناسبة.
يمتد المتحف المصري الكبير على مساحة عرض دائمة تقارب 24,000 متر مربع، أي ما يعادل مساحة أربعة ملاعب كرة قدم تقريبًا، ويضم حوالي 57,000 قطعة أثرية. كما يضم متحفًا للأطفال، وما يصفه المسؤولون بأنه أكبر مركز لحفظ الآثار في الشرق الأوسط.
في قلب الافتتاح الكامل، يُكشف النقاب، الذي طال انتظاره، عن المجموعة الكاملة من كنوز الملك توت عنخ آمون الذهبية. سيُعرض أكثر من 5000 قطعة أثرية تخص "الملك الصبي" - بما في ذلك قناعه الجنائزي الذهبي الشهير - معًا بالكامل لأول مرة منذ اكتشاف المقبرة عام 1922.
وفي حين تم عرض العديد من القطع الأثرية في السابق في المتحف المصري القديم في وسط القاهرة، إلا أن بعض العناصر ظلت محفوظة في المخازن.
وفي أعقاب الحفل، ظهر السيسي على شاشة التلفزيون وهو يأخذ الضيوف في جولة داخل قاعات الملك توت عنخ آمون الواسعة والمليئة بالضوء، والتي تم الكشف عنها على شاشة التلفزيون لأول مرة.
وقال مدير المتحف أحمد غنيم لشبكة إيه بي سي نيوز: "ما يميز هذا المتحف ليس فقط المجموعة الكاملة، ولكن كيفية تقديمها - كسرد لحياة الملك وحكمه، وليس كأشياء مستقلة، وبدون فوضى بصرية".
وقال إن المتحف يستخدم تقنيات العرض الحديثة - بما في ذلك الواقع المعزز والمختلط، والمحاكاة الرقمية، ورواية القصص الغامرة، مع دمج الذكاء الاصطناعي قريبًا - "لإعادة تقديم مصر القديمة بطريقة نابضة بالحياة وجذابة".
وأضاف غنيم أن "هذا يعد دليلا على القوة الناعمة لمصر وقدرتها على الاستفادة من التاريخ والثقافة لتعزيز مكانتها العالمية".
ومن بين أبرز المعروضات الأخرى معرض قوارب الشمس الخاصة بالفرعون خوفو، والتي تم اكتشافها مدفونة بالقرب من الهرم الأكبر في عام 1954. ويعرض الآن أولها، وهي عبارة عن سفينة خشبية يبلغ طولها 42 مترًا وعمرها 4600 عام.
سيتم ترميم وإعادة بناء قارب توأم ثانٍ من حوالي 1700 قطعة خشبية أمام أعين الزوار على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
يستقبل الزائرون عند دخولهم المتحف تمثال الملك رمسيس الثاني العملاق الذي يبلغ عمره 3200 عام ويبلغ ارتفاعه 11 متراً، والذي ظل قائماً لعقود من الزمن في ميدان رمسيس بوسط القاهرة قبل نقله إلى منزله الجديد بالقرب من المتحف في عام 2006.
من الفناء المركزي، يصل الدرج الكبير - وهو صعود من ستة طوابق تصطف على جانبيه نحو 60 قطعة أثرية ضخمة بما في ذلك التماثيل والتوابيت والأعمدة والشواهد - إلى ذروته في إطلالة على أهرامات الجيزة الثلاثة الشهيرة.
تتتبع المعارض الرئيسية الاثنتي عشرة تاريخ مصر منذ ما قبل التاريخ وحتى العصر اليوناني الروماني، وتستكشف موضوعات المجتمع والملكية والمعتقد.
وقالت رويسين هينجان، المؤسس المشارك لشركة هينجان بينج للهندسة المعمارية، الشركة الأيرلندية التي تقف وراء التصميم: "لقد تم تصميم المتحف للعمل في حوار مع مقياس ودقة الأهرامات الرياضية".
وأضافت أن هندسة المساحة صُممت لتتوافق مع موقع الأهرامات، حيث تشع الجدران نفسها إلى الخارج لتلتقي بكل من الأهرامات الثلاثة، وينحدر السقف إلى الأعلى بزاوية لتلتقي بأعلى نقطة فيها.
وأضافت لشبكة إيه بي سي نيوز: "هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يتم فيها عرض العديد من هذه القطع الأثرية معًا، لذا كان من المهم أن يعمل التصميم على تعزيز هذا الارتباط لوضع وتكريم التاريخ الغني لمصر القديمة".
وضع المطورون حجر الأساس للمتحف في عام 2002، لكن البناء لم يبدأ حتى عام 2005. وتعطل العمل لاحقًا بسبب الربيع العربي عام 2011، قبل استئنافه بالكامل في عام 2016.
يُموّل هذا المشروع بشكل رئيسي من خلال قروض من اليابان، وهو محوري في استراتيجية مصر لتعزيز قطاع السياحة الحيوي، مصدر رئيسي للعملة الأجنبية. وتهدف الحكومة إلى مضاعفة أعداد السياح من رقم قياسي بلغ 15.7 مليون سائح في عام 2024 إلى 30 مليون سائح بحلول عام 2030.
من المتوقع أن يجذب المتحف المصري الكبير خمسة ملايين زائر سنويًا، وفقًا لوزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي. وستستمر المعارض في التوسع مع مرور الوقت.
للاطلاع على الموضوع بالانجليزية يرجى الضغط هنا






