01 - 11 - 2025

المتحف الكبير.. مرآة حضارة قديمة تعكس أوجاع الحاضر

المتحف الكبير.. مرآة حضارة قديمة تعكس أوجاع الحاضر

يشهد الشارع المصري اليوم حالةً من الفخر والبهجة مع افتتاح المتحف المصري الكبير، ذلك المشروع الذي طال انتظاره بوصفه صرحًا حضاريًا يجسِّد عظمة التاريخ المصري القديم، ويعيد إلى الأذهان مكانة مصر الثقافية على خريطة العالم.

ولا شك أن هذا الحدث يبعث على الاعتزاز، ويُعد خطوةً مهمة نحو تعزيز السياحة الثقافية وترسيخ الهوية الوطنية.

غير أن بعض الأصوات تطرح تساؤلاتٍ مشروعة لا تتعلق بجمال المتحف أو قيمته التاريخية، بل بتوقيت الاحتفال ومعناه في ظل الظروف الراهنة.

فبينما تعاني فئاتٌ واسعة من الشعب من ضغوطٍ اقتصادية ومعيشيةٍ قاسية، قد يبدو الاحتفاء الضخم بهذا المشروع – بما يصاحبه من مظاهر فخمة وتكاليف باهظة – أمرًا يثير الحسرة أكثر مما يبعث على الفخر.

إذ يتساءل البعض: هل يمكن للإنسان أن يحتفل بمجد الأجداد في وقتٍ يشعر فيه بأن الحاضر مثقلٌ بالأزمات؟ وهل يُمكن للفخر بالماضي أن يُعوِّض عن الضيق من واقعٍ يومي يزداد صعوبة؟

الاحتفال بإنجازٍ ثقافي كبير ليس في ذاته خطأ، بل هو حقٌّ مشروع لأي دولة تسعى إلى إبراز هويتها وتاريخها.

لكن هذا الاحتفال يفقد جزءًا من معناه إذا لم يتوازَ مع واقعٍ يشعر فيه المواطن بالكرامة والأمل.

فالعظمة التي شيَّدها المصري القديم لم تكن في الحجارة وحدها، بل في قدرته على الإبداع والعمل والإصرار.

أما اليوم، فإن التحدي الحقيقي يكمن في أن نستعيد تلك الروح في حاضرنا، لا أن نكتفي بترديد أمجادٍ مضت.

ورغم القيمة التاريخية والمعمارية للمتحف الكبير، فإن النظر إليه ينبغي ألا يقتصر على كونه رمزًا للسُّلطة، بل كمشروعٍ وطني يخدم الجميع، ويروي قصة الإنسان المصري عبر العصور.

فالمتحف الحقيقي لا يُقاس بواجهته الرخامية أو حجم قاعاته، بل بما يقدِّمه من وعيٍ ومعرفةٍ وانتماءٍ للأجيال الجديدة.

إن الاعتزاز بالماضي ضرورة، لكنه لا يُغني عن مساءلة الحاضر والعمل من أجل المستقبل.

فالأمم لا تُبنى على الأطلال، بل على الوعي والعدالة والحرية.

وإذا كان المتحف الكبير يذكِّرنا بعظمة المصري القديم، فليكن أيضًا دعوةً لتأمل حال المصري المعاصر: هل يعيش في وطنٍ يليق بتاريخ أجداده؟

في النهاية، يظل افتتاح المتحف الكبير حدثًا يستحق التقدير، شرط ألا يتحوَّل إلى مناسبةٍ للزهو الزائف أو للهروب من مواجهة الواقع.

فالحضارة ليست ما ورثناه فحسب، بل ما نصنعه اليوم ونتركه غدًا شاهدًا على أننا كنا جديرين بتلك الجذور العميقة.
---------------------------
بقلم: إبراهيم خالد


مقالات اخرى للكاتب

المتحف الكبير.. مرآة حضارة قديمة تعكس أوجاع الحاضر