31 - 10 - 2025

هدنة غزة بين مخطط نتنياهو وإصرار ترامب

هدنة غزة بين مخطط نتنياهو وإصرار ترامب

عندما تتحول النار إلى هندسة سياسية... وتُعاد كتابة الخرائط على رماد المدينة

لم تعد الهدنة في غزة مجرّد هدنة.

فما يُطرح في الكواليس ليس وقفًا للنار، بل إعادة تعريف لموازين القوة في الشرق الأوسط.

وراء الستار، تتقاطع رؤيتان تحملان الملامح ذاتها وإن اختلفت الأقنعة:

إسرائيل التي تبحث عن أمن دائم دون سلام حقيقي، وواشنطن التي تعود إلى المسرح عبر بوابة “الصفقة” القديمة بثوب جديد.

نتنياهو: هندسة الصراع بدل إنهائه

بالنسبة لنتنياهو، الهدنة ليست نهاية الحرب بل وسيلة لتثبيت نتائجها.

منذ أن بدأ الجيش الإسرائيلي برسم ما يسمى بـ"الخط الأصفر" داخل القطاع، بات واضحًا أن تل أبيب تسعى إلى خلق واقع ميداني يقسم غزة إلى منطقتين: شرقية تحت السيطرة العسكرية الكاملة، وغربية محاصرة بالمراقبة الأمنية والاقتصادية.

بهذه الطريقة، تُدار الحرب من دون أن تُعلن، وتُحاصر المقاومة دون أن تُستأصل.

يقدّم نتنياهو خطته كـ"نصر أمني" لجمهورٍ مرهق من الفشل السياسي.

لكن جوهر الفكرة أعمق: تحويل القطاع إلى منطقة رمادية، بلا سيادة ولا استقلال، تخضع للرقابة العسكرية وتُدار عبر وسطاء.

إنها هندسة جديدة للصراع، لا لحلّه.

ترامب: صفقة بلا سلام

على الضفة الأخرى من الأطلسي، يظهر دونالد ترامب كمن يسعى إلى استعادة وهجه الانتخابي عبر ما يسميه “الهدنة الكبرى”.

لكن هذا المشروع ليس إلا امتدادًا لمفهوم “السلام مقابل الازدهار” الذي طُوي يوم انهارت “صفقة القرن” على صخرة الواقع الفلسطيني.

اليوم، يعود ترامب ليقترح نسخة محدثة من الفكرة ذاتها:

غزة مموّلة بأموال الخليج، مُعاد إعمارها بأيدي المقاولين، لكن مقيدة بشروط أمنية إسرائيلية دقيقة.

من وجهة نظره، الهدنة ليست غاية، بل بوابة لإعادة تشكيل الإقليم اقتصاديًا، حيث تُمنح غزة حوافز مالية مقابل التنازل عن أوراق السيادة.

هكذا تتقاطع الرؤية الأمريكية مع الإسرائيلية في الهدف ذاته:

هدوء طويل، دون حل سياسي؛ إدارة نزاع، لا إنهاؤه.

القاهرة والدوحة... وساطة على خيطٍ من نار

في المنتصف، تتحرك القاهرة والدوحة في مساحة رمادية بين الإغاثة والسياسة.

مصر، بحكم الجغرافيا والتاريخ، تدرك أن انفجار غزة يعني اضطراب الإقليم كله، بينما تسعى قطر إلى تثبيت دورها كقناة اتصال بين الأطراف المتناقضة.

غير أن كلا العاصمتين تصطدمان بعقدة واحدة: لا يمكن لأي هدنة أن تصمد ما لم تلامس جذور الأزمة — الاحتلال والحصار والكرامة الوطنية.

غزة... العنوان الأبدي للصراع

في نهاية المشهد، يتقاطع الجميع عند ذات النقطة:

نتنياهو يبحث عن “هدنة بلا سيادة”، وترامب عن “صفقة بلا دولة”، والعرب عن “استقرار بلا ضمانات”، بينما تبقى غزة وحدها في قلب المعادلة، تدفع ثمن الخرائط الجديدة التي تُرسم فوق أنقاضها.

تبدو الهدنة اليوم كاستراحة في حرب أطول، لا كخاتمة لها.

فما لم تتحول النار إلى عدالة، سيبقى الهدوء هشًّا، كأوراقٍ فوق جمرٍ لم يخمد بعد.
-------------------------
بقلم: حاتم نظمي


مقالات اخرى للكاتب

هدنة غزة بين مخطط نتنياهو وإصرار ترامب