جاء بمقدمة دستور ٢٠١٤ أن مصر دولة ديمقراطية مدنية حديثة، وتنص المادة ٥٣ (المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الأعاقة أو المستوى الأجتماعى أو الانتماء السياسى أو الجغرافى).
فهل هذا يتوافق مع ما تم من أحداث طائفية فى قرية بنى مزار بالمنيا؟ وهل هذه الأحداث الطائفية التى تتكرر فى المنيا بشكل شبه دورى تعنى أننا نعيش فى دولة ديمقراطية مدنية حديثة؟
وهل هذه الأحداث وتلك الممارسات الطائفية لها أى علاقة بما جاء بالمادة ٥٣ من الدستور التى تساوى ولا تفرق بين مواطن واخر لأى سبب كان؟ لاشك فإن تلك الأحداث وما يماثلها فى بعض الأماكن الأخرى تؤكد قولا واحدا أننا لا علاقة لنا لا بدولة مدنية حديثة ولا بمساواة حقيقية تحقق مواطنة حقيقية بين كل المصريين!! هنا تتعدد التحليلات حول هذه الظاهرة فى أطار الدراسات الأجتماعية والسياسية الاقتصادية. نعم فهناك ارتباط ما لهذه الأحداث بكل تلك المجالات. ولكن هذا لا يمنع من أن تكون للثقافة الدينية والمجتمعية والموروثة تاريخيا دورا مؤثرا فى ظهور تلك الأحداث وتلك الصورة الهمجية والقبلية المتخلفة. نعم جاءت إلى مصر هجرات جماعية وغزوات حربية من كل الأجناس. نعم تركت هذه الهجرات وتلك الغزوات سلوكيات قبلية وطائفية وعرقية ومناطقية ولكن فى السياق العام التاريخى ظلت مصر بلحمتها البشرية وبهويتها المصرية والحضارية والتاريخية متماسكة. ودائما ما نرى استغلال كل القوى الأستعمارية لتعددية مصر الثقافية ومحاولة اختراق وحدتها بإثارة الفتن الطائفية وذلك على مدى التاريخ. فكانت هناك عصور اضطهاد للأقباط تحت مسميات دينية يندى لها الجبين، ولا علاقة لها بالدين! ولكن كان تماسك الشخصية المصرية الواحدة بالرغم من التعددية الدينية هى العاصم من التفكك والتشرذم والفتن التى لا زالوا يمارسون أدوارهم الطائفية فى إشعالها. هنا لا طريق صحيح ومنهج قويم للقضاء على تلك الممارسات غير تحقيق الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة، التى تحقق المواطنة الحقيقية للمواطن المصرى دون النظر لأى اسباب أخرى. هنا لاتستقيم هذه الدولة وتلك المواطنة مع نماذج وممارسات مثل ماحدث فى المنيا.
فقصة الشاب المسيحى والفتاة المسلمة تتكرر وستتكرر هنا وهناك، ولكن لأن هناك حالة تمييزية فى حالة علاقة المسلم بمسيحية غير تلك العلاقة بين المسيحى والمسلمة! هنا تكون الفتنة. وهنا لن يكون الحل تلك الممارسات الهمجية والغوغائية ضد الأقباط وعلى أرضية تمييزية لا علاقة لها بدستور أو قانون أو دولة!! كما أن ما يسمى بالجلسات العرفية التى يعطونها لمسة شرعية مستندين في بعض الأحيان لنصوص كتابية. هنا نقول أن ما يستندون إليه هذا يخص زمانه ومكانه ولا علاقة له بقانون ودستور لا يتعارض مع مقاصد الأديان العليا. فلا يحكمنى رؤية شخص سلفى قبلى يعيش مجاهل التاريخ ويسقط القانون الذى هو الفيصل بين المواطنين!! كما أن ترك تلك الممارسات التي لا تليق بمصر الحديثة التى يجب أن تلعب دورها المقدر لها تاريخيا وطوال التاريخ. كما أن تلك الممارسات والسكوت عليها يحدث قتنا حقيقية يتم استغلالها داخليا و خارجيا. كما يلفت النظر الأماكن التى تحدث فيها تلك الأحداث، ونتساءل ما علاقة الأجهزة الأمنية بها؟ وماذا تعرف تلك الأجهزة عن تلك الكوادر المتأسلمة والتى مازالت تلعب ذلك الدور الخطير فى إشعال تلك الفتن؟ وماذا عما يحدث فى التعليم والإعلام من الترويج لذلك الفكر الطائفي الرافض للآخر؟ نعم الأمن هنا عليه دور ولكن الأهم هو الدور السياسى والتنويرى والتثقيفى الذى يواجه ذلك المخطط، وهذا الفكر الذى يعتمد فى تقسيم الوطن وتفتيته؟ نعم الرئيس يدعو إلى تجديد الفكر الدينى، ولكن لا تكفى الدعوة النظرية ولكن لا بد من خطوات عملية لمواجهة هؤلاء الذين لايريدون خير الوطن. فأين تطبيق القانون بلا استثناء؟ أين قانون عدم التمييز الذى نص عليه الدستور؟ أين دور الإعلام الحقيقى؟ أين دور الثقافة بقصورها ومؤسساتها؟ أين دور المؤسسات الدينية الحقيقى فى خلق مجتمع مصرى متوافق متماسك بعيدا عن تلك الصراعات المؤسسية بين كل مؤسسة دينية وأخرى؟
مصر وطن كل المصريين من كان مصريا ومن تمصر، شاء من شاء وأبى من أبى. مصر فوق الجميع أيا كان قدر الجميع. ستظل مصر هى الأمن والامان لشعبها العظيم المتماسك والواحد . حفظ الله مصر وشعبها العظيم.
-------------------------
بقلم: جمال أسعد






