زنزانة صغيرة ونزهة يومية قصيرة .. من كان يتخيل أن يلقى الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي هذا المصير المخجل ليقضي أيامه الآن خلف القضبان بعد صدور قرار قضائي في 25 سبتمبر الماضي من المحكمة الجنائية في باريس بالسجن 5 سنوات، مدانا بالحصول على خطة تمويل ليبي للحملة الانتخابية التي قادته إلى الرئاسة عام 2007.
وطاردت اليميني المتطرف ساركوزي اتهامات بالأدلة والقرائن على سماحه لأقرب معاونين له حين كان وزيرا للداخلية، هما بريس أورتوفو وكلود جيان بالتواصل مع الزعيم الليبي السابق معمر القذافي للحصول على تمويل غير قانوني لحملته الانتخابية مقابل تعهد الرئيس الفرنسي السابق بمساعدة القذافي في تحسين سمعته كشخص منبوذ لدى الغرب.. وعلى الرغم من حساسية وتعقد موقفه القانوني، فأمام محكمة الاستئناف شهران للنظر في طلب الإفراج المؤقت عن ساركوزي، وسط توقعات بعقد الجلسة بشكل أسرع.
إفراج محتمل يصبو إليه ساركوزي لتحطيم قفص الاتهام، ولحين بلوغ غايته، يواجه أول رئيس فرنسي سابق شبح السجن والعزلة، إذ ينص نظام الحبس الانفرادي على نزهة واحدة في اليوم في باحة صغيرة لا تتجاوز مساحتها بضعة أمتار مربعة، مع إمكان وصوله إلى واحدة من قاعات الرياضة الثلاث في السجن أو إلى القاعة المستخدمة كمكتبة .. وخلال تنقلاته للذهاب مثلا إلى غرفة الزيارات أو لمعاينة طبيب، سيكون الرئيس السابق برفقة حارس واحد على الأقل وستفرض إجراءات معروفة بـ"الحجب" لمنع أي تواصل مع سجناء آخرين.
وينفي ساركوزي الاتهامات الموجهة إلى شخصه وصفته، وشبه نفسه بأشهر مدانين بريئين في التاريخ والأدب الفرنسي، وهما ألفريد دريفوس وإدمون دانتيس، والكونت دو مونتي كريستو .. واكتفى بالرد على الحكم الصادر بحقه قائلا :"سأتحمل مسؤولياتي وسأمتثل لاستدعاءات القضاء، وإن أرادوا حقا أن أنام في السجن، فسأفعل ذلك ولكن مرفوع الرأس لأنني بريء" .. وكان ساركوزي، البالغ من العمر 70 عاما، رئيسا لفرنسا من عام 2007 إلى عام 2012 .. ومنذ خسارته محاولة إعادة انتخابه عام 2012، طالت نيكولا ساركوزي عدة تحقيقات جنائية حيث استأنف حكما صدر في فبراير 2024 أدانه بتجاوز الإنفاق في حملته الانتخابية لعام 2012، ثم التعاقد مع شركة علاقات عامة لإخفاء الأمر .. وحكم عليه بالسجن سنة واحدة 6 أشهر منها مع وقف التنفيذ .. وفي عام 2021، أدين بمحاولة رشوة قاض عام 2014، ليصبح أول رئيس فرنسي سابق يحكم عليه بالسجن الفعلي، وفي ديسمبر قضت محكمة الاستئناف في باريس بأن يقضي عقوبته في منزله وهو يضع سوارا إلكترونيا بدلا من دخول السجن.
5 سنوات من العقاب تنتظر فتى باريس الشقي ليتعلق بطوق الاستئناف لإنقاذ ما تبقى من كرامة قصر الإليزيه التي تبكي وتبلل دموعها جدران زنزانة الانحراف والفساد!
-------------------------
بقلم: شريف سمير *
* نائب رئيس تحرير الأهرام