17 - 10 - 2025

تحتمس 400 بشرطة

تحتمس 400 بشرطة

يحفل تاريخ مصر الحديث بكتاب برعوا في فن السخرية الأدبية والصحفية البناءة، جعلوا الضحك وسيلة للنقد والإصلاح، ولعل من أبرزهم إبراهيم عبد القادر المازني المعروف بسخريته الراقية ولغته المتقنة، وكذلك بيرم التونسي عندما حوّل الشعر العامي إلى أداة احتجاج اجتماعي وسياسي في قصائد مثل البامية الملوكي، وسيد ومراته في باريس، أما عمنا محمود السعدني، فقد ترك بصمة خاصة بكتبه الساخرة الشهيرة؛ الولد الشقي ومذكرات الولد الشقي في المنفى، وداعًا للطواجن، والشيخ لعبوط وغيرها.

وقد كان من عادة عمنا، أنه كلما نشر كتابًا أهدي نسخة إلى الأستاذ أحمد بهجت، يُصدرها بجملة لا تتغير "إلى الساخر الكبير"، وبدلاً من أن يكتُبها بالسين، يكتبها بالشين!

في أوائل التسعينات، نشر أحمد بهجت كتابه "تحتمس 400 بشَرطة"، سافر من خلاله بالزمن إلى عام 2020، حيث تدور الأحداث والوقائع.

وتحتمس 400 بشرطة، ليس إلا صاروخ فضاء نجحت مصر في إطلاقه من قاعدة زينهم الفضائية، بعد 399 محاولة فاشلة، وبعد الخبط على رأس الجهاز، تأكيدًا على أهمية نظرية "السك"، والزق تحت شعار "اللي يحب النبي يزق"، انطلق الصاروخ إلى الفضاء، وقد عُلق على أحد جانبيه خميسة زرقاء، وحُفرَ على الجانب الآخر "ما تبصليش بعين رضية بص للمدفوع في"!

انطلق وعلى متنه طاقم مكون من بيومي، وعتريس، وتفيدة، تم اختيارهم بالقرعة من بين 126 ألف مواطن تقدموا بطلبات السفر، ولأن عتريس نسي بطاقته الشخصية، فقد تَلبَسهُ قلق احتجازه في قسم شرطة القمر، عند هبوطه بالطبع. 

من جانب آخر، استطاعت تفيدة تهريب كرنب وملوخية مع بصل وثوم داخل بدلة الفضاء، لأنها بصراحة لا تطيق طعام الفضاء "الصايص"، في المقابل تواصل زوجة بيومي إلحاحها أن يشتري لها قطعة قماش قطيفة وحتتين ساتان من القمر!

المهم، ووسط ترقب الجماهير والصحافة وكل وسائل الإعلام للحظة الهبوط على سطح القمر، ولأسباب تقنية، فَقَدَ الرواد الثلاثة السيطرة على الصاروخ، فتولى نظام التحكم الآلي تشغيله وقيادته، وكانت النتيجة إنه فوت محطة القمر! واستمر يسبح في الفضاء، وأصبح الشغل الشاغل في الجهات الرسمية تحديد المسئول عن ذلك لتحويله للتحقيق.

من ناحيته، أكد وزير الفضاء أن الوزارة نجحت في إطلاق الصاروخ بنجاح، وأصبح الأمر في اختصاص وزارة القمر، في المقابل أكد، أيضًا، وزير القمر جاهزية الوزارة وكل العاملين فيها لكافة الاحتمالات، حال نزول الصاروخ على سطح القمر، وبما أنه لم يهبط بعد، فالأمر لا يخص وزارته، بل وزارة الفضاء. واستمر الجدال بين الوزارتين!، إلى جانب مشاكل أخرى بسيطة من نوع:

(مركز المراقبة الأرضية: هل تواجهكم أية مشاكل؟ 

عتريس: نور مركبة الفضاء انقطع!

مركز المراقبة الأرضية: كم مرة؟

عتريس: انقطع ثلاث مرات.. 

مركز المراقبة الأرضية: لا تقلق يا عتريس .. تم إبلاغنا إن كابل أرضي مساعد يغذي السفينة، قد سُرِق، والبحث جار عنه، فلا تقلق.. هل هناك مشاكل أخرى؟

عتريس: مشكلتان صغيرتان!

مركز المراقبة الأرضية: ما هما؟

عتريس: ....)

وهكذا استمر الصاروخ في مسيرته في الفضاء، بينما الجدال على الأرض لا يتوقف، وسط هذه الحالة جلست تفيدة وسط الصاروخ، وطلعت الكرنب والملوخية وقعدت تطبخ، وسط هتافات تأييد وتشجيع عتريس وبيومي، بينما تتصاعد رائحة التسبيكة في أرجاء الصاروخ، والحمد لله إن نيزكًا ضرب الباب ففسخه، وإلا كانت تبقى حوسة، بعد اكتشاف أن باب الصاروخ يفتح من بره، وده معناه إنهم لما يوصلوا لن يجدوا من يفتح لهم، وسيظلوا محبوسين!

وبينما يتناول رواد الفضاء أكل تفيدة في نهم وتلذذ وصلت رسالة باللغة الإنجليزية، التي لا يعرفها مبادئها أحد سوى تفيدة، وبالعافية وحياتك، تخبرهم أن أجهزة استشعار الغازات الكيماوية في القاعدة الأمريكية على المريخ التقطت إشارات صادرة من الصاروخ، وتضمنت الرسالة تهديدًا بأنه في حالة عدم الإفصاح عن طبيعة هذه الغازات، أو عدم ابتعاد الصاروخ عن مجال المريخ، سيتم ضربه.

والحقيقة عزيزي القارئ أن الغازات لم تكن سوى تلك الصادرة عن طبخة المحشي وطشة الملوخية، وشهقة تفيدة بعدها، وطبعًا توابع ذلك من انتفاخات، تبارى الجميع في عزف إيقاعاتها فترددت أصداؤها في الفضاء الفسيح.

ولعدم قدرة القوات الأمريكية على تحليل طبيعة هذه الغازات، وخشية الإدارة الأمريكية من أن تكون أسلحة فتاكة، وكذلك عمل حساب ضغط الرأي العام، حال ضرب الصاروخ، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، تقرر أن تستسلم القاعدة لرواد الفضاء المصريين.

وهنا أتوقف عزيزي القارئ، وأتركك تتخيل باقي الأحداث، أو تقرأ الكتاب – إن نجح المقال في إثارة شغفك أو تشجيعك على قراءته!

سلام.. وياريت تطمنونا على تفيدة، وبيومي، وعتريس!..
---------------------------------
بقلم: 
د. محمد مصطفى الخياط
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

تحتمس 400 بشرطة