رغم أن مصطلح التريند قد ظهر فى أواخر القرن العشرين من خلال وسائل الإعلام ، إلا أن التطور التكنولوجى والمعلوماتى وثورة الاتصالات والانترنت وانتشار وسائل التواصل الاجتماعى قد زاد من انتشاره بشكل كبير وسريع وواسع.
وقد اصبحت كلمة تريند والتى تعبر عن (تسليط الضوء على الأحداث ذات الشعبية الكبيرة فى فترة زمنية معبنة) أداة مهمة لفهم احتباجات واهتمامات الجمهور ، تستطيع من خلالها الشركات الذكية الابتكار لتلبية تلك الاحتياجات ؛ ولذا فهى تلعب دوراً مهماً ومؤثراً فى الثقافة الجماهيرية.
ولكن هل يعلم القارئ الكريم أن ظاهرة التريند هى ظاهرة تاريخية موجودة عبر العصور ، وإن لم يكن المصطلح موجوداً ؛ فأحداث الحروب كانت ترينداً فى وقتها وفى المكان أو الأرض التى حثت فيها ، وأحداث الكوارث والأزمات كالزلازل أو السيول المدمرة مثلاً كانت ترينداً فى وقتها ومكانها .
ولــعلنا لا نــغالى اذا قــلنا أن شـــهر اكــــتوبر فى مــصر قــــد شـــهد الكثير الأحداث الكبيرة "التريندات" فى منذ اندلاع حرب السادس من أكتوبر 1973 وحتى تاريخه ، وكانت تلك التريندات حديث مصر ومحيطها الافريقى والعربى والافليمى بل ووصلت إلى حد العالمية فى بعضها .
وأول تلك التريندات هو قيام الجيش المصرى المجيد بعبور قناة السويس واجتياح خط بارليف المنيع فى 6 أكتوبر 1973م وتحقيق نصر مؤزر أحدث زلزالاً فى اسرائيل على حد تعبير "موشيه ديان" وزير الدفاع الاسرائيلى أبان تلك الحرب ، حيث كانت الحرب وأخبارها وانتصارات الجيش المصرى وبطولاته حديث مصر والعالم لفترات طويلة .
ويطل علينا التريند الثانى فى 6 أكتوبر1981م ، عندما اغتيل الرئيس الراحل محمد أنور السادات برصاص ضباط متشددين فى الجيش المصرى، أثناء الاحتفال بذكرى نصر اكتوبر 1973م ، تلك الحادثة التى كانت حديث مصر كلها حكومة وشعباً بل وكانت حديث العالم لفترة زمنية طويلة .
اما التريند الثالث فكان فى 13 أكتوبر 1988م ، عندما أعلن عن فوز الأديب العالمى نجيب محفوظ بجائزة نوبل كأول عربى يفوز بتلك الجائزة المرموقة عن رواياته التى تعد من الأدب الواقعى والتى كانت الحارة المصرية فيها هى السمة البارزة والمشتركة ، وقد ظل ذلك التريند حديث مصر والمصريين والمهتمين من شتى بقاع الدنيا بل ومصدر فخر لهم كذلك ، ومن المفارقات ايضاً أن محاولة اغتيال محفوظ والتى أنجاه الله منها كانت من قبل شابين متشددين اتهماه بالكفر والإلحاد ، وكانت فى أكتوبر 1995م وظلت حديث المصريين والمهتمبن لفترة طويله حتى تم اعدام هذين الشابين رغم اعلان محفوظ نفسه عدم حقده عليهم وتمنياته بألا يعدما .
وجاء التريند الرابع فى 12 أكتوبر 1990 م ، عندما اغتالت يد الأرهاب الغاشمة (من الجماعة الاسلامية) الدكتور / رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب اثناء توجهه إلى فندق الميريديان لمقابلة وفد برلماني سوري برئاسة رئيس مجلس الشعب السورى ، وكان اللـــواء عبد الحليم موسى وزير الداخليه أنذاك هو المقصود فى تلك العملية وليس الدكتور المحجوب ، وكانت تلك الجريمة هى الأكبر من نوعها بعد حادثة اغتيال الرئيس السادات التى تقدم ذكرها. وقد شغل ذلك التريند الشارع المصرى فترة من الزمن حتى اعلنت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ الحكم على 10 من الجماعة المذكورة ما بين 3- 15 سنة وبراءة اخرين لعدم استيفاء الادلة حسبما يذكر ( سعيد الشحات فى اليوم السابع 12/10/2025) .
وكان التريند الخامس فى 12 أكتوبر 1992 تحديداً فى الساعة الثالثة وتسع دقائق عصر ذلك اليوم حيث ضرب زلزال قوته 5.8 ريختر مصر واسفرت خسائره عن وفاة أكثر من 500 شخص وأصابة نحو 12000 شخص ويعد من أقوى الزلازل التى ضربت مصر فى المائتى سنة الماضية ، وتصدرت أخباره والحديث عنه كل الأحاديث فى مصر وخارجها ، وقطع الرئيس المصرى الاسبق محمد حسنى مبارك جولته الاسيوية وعاد إلى مصر مسرعاً وتم تأجيل الدراسة واغلاق المدارس أكثر من مرة خلال تلك الفترة .
أما فى 12 و 13 أكتوبر 1999م فقد كان التريند السادس ، حيث تصدر خبر حصول الدكتور احمد زويل "أبن دمنهور"على جائزة نوبل فى الكيمياء عن اكتشافه الرائد فى "كيمياء الفيمتو ثانية" كل الأخبار ؛ وأفرح كل المصريين فى الداخل والخارج، وكذلك محبى المصريين من الاشقاء فى الدول العربية وفى العالم لفترات طويلة .
أخيراً وليس آخرا كان خبر فوز الدكتور خالد العنانى وزير السياحة والآثار السابق بمنصب مدير عام منظمة اليونسكو ، وذلك يوم الاثنين الموافق 6 أكتوبر2025 فى ذكرى احتفالات المصريين بذكرى نصر أكتوبر 1973م وفى نفس يوم النصر ليكون التريند الواحد تريندين ويكون الاحتفال به احتفالين ، ذلك أن الدكتور العنانى هو الأول عربياً والثانى افريقياً الذى يفوز بذلك المنصب الفريد .
تحية لمصر والمصريين قيادة وحكومة وشعبا على تلك الأحداث والتريندات التى ذكرناها بحلوها ومرها حتى لا تنسى الأجيال القادمة ماضيها وتسير بخطى ثابتةً وواثقة ومطمئنة نحو مستقبلها الواعد وتأخذ الدرس التاريخى والعظة والعبرة بأن العمل الجاد يخلده التاريخ ، وأن العمل الخسيس لا ينسى ، وأن الله حافظ لمصر من الأخطار والكوارث دائماً ابدا .
--------------------------------
بقلم: د. مصطفى يونس احمد