12 - 10 - 2025

مؤشرات | نخشى تعبير "سلام بدون دولة وشعب"

مؤشرات | نخشى تعبير

لا يمكن الاختلاف حول أهمية خطة وقف الحرب وإطلاق النار في الحرب على غزة، والدخول في التنفيذ الفعلي لمرحلتها الأولى في غضون ساعات، خصوصاً ما يتعلق بوضع حد لنزيف الدم الفلسطيني، وعودة اللاجئين إلى منازلهم، وضمان عدم خطة التهجير القسري التي كانت ومازالت هدفاُ للكيان المحتل.

ولاشك أن الوصول لمرحلة التفاوض جاءت بعد عامين من الحرب، وضحايا بمئات الآلاف بين قتيل ومصاب، وانهاك طال الجانب الإسرائيلي، مع ضغوط دولية على كل الأطراف، بخلاف الدور المهم للاعترافات الدولية بدولة فلسطين في تغيير وجهات كثيرة التوجهات خصوصاً الأمريكية منها.

الجهود المبذولة في مفاوضات الأيام الماضية، والتي ساهمت فيها مصر بشكل واضح، مع أطراف أخرى، منها قطر وتركيا، مع أمريكا صاحبة المبادرة، بين حماس وإسرائيل، حققت نقاطاً مهمة فيما تم التوصل إليه في أولى مراحل خطة وقف الحرب، التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد مناقشات ومداولات، ومؤكد أنها جرت مع أطرف عربية متعددة.

ولا يمكن إنكار أن ضمانات تنفيذ التعهدات في الخطة غير ملموسة، سوى من ضمان أطراف الوساطة، مع ضمان من الرئيس الأمريكي، صاحب المبادرة، إلا أن هذا في حد ذاته، سيحتاج إلى دور عربي أقوى في المراحل المقبلة، وشروط عربية وأمريكية، لمواجهة أي مماطلة أو هروب إسرائيلي للخلف منها.

قدرة المفاوض الفلسطيني، كانت حاسماً مهماً في التوصل إلى قرار وقف الحرب، - رغم الخروقات الإسرائيلية – كما راعت في المجمل العديد من الثوابت الفلسطينية، بوقف مخططات الاستيطان، مع ضمان دخول المساعدات بواقع 600 شاحنة يومياً إلى غزة، مع تحديد أعداد معينة للإفراج عن المسجونين، والمعتقلين الفلسطينيين، بالمئات، بما فيهم أصحاب أحكام طويلة، والسعي إلى الإفراج عن مسجونين سياسيين فلسطينيين من القادة التاريخيين، مع ملاحظة هدوء صوت المتطرفين الصهاينة، وإن كان هذا غير مضمون.

القلق كامن في العديد من النقاط، التي سيطول النقاش حولها، خصوصاً ما يتعلق بضمانات، الانسحاب الإسرائيلي من كامل أراضي غزة، والشرط بوجود مناطق تحت السيطرة الإسرائيلية، وربط هذا بنزع السلاح (الحمساوي)، وهي قضية شائكة، خاصة مع طبيعة ونوعية السلاح في يد قوى المقاومة المختلفة، بخلاف قضية مهمة للغاية، هو الوصول بالمقاومة إلى نقطة الصفر في القدرات العسكرية، بما يعني توفير الحماية للكيان المحتل.

أتصور أن هناك نقاط كثيرة، بحاجة إلى التدقيق فيها خلال مراحل التفاوض المقبلة، ومنها حق الدولة تحت الاحتلال في تنفيذ القرارات والمواثيق الدولية في الدفاع عن نفسها، إذا ما اخترقت قوات الاحتلال بنود مثل تلك المواثيق، وارتكبت جرائم ضد الشعب المحتل، ووضع إجابات وتصورات ورؤى للدفاع عن الشعب المحتل، إلى حين إقامة دولته المستقلة، ومن يدافع عنه، في المراحل الإنتقالية.

وهناك أمور أخرى مهمة، تتصل بتحديد أطر لتنفيذ بعض البنود، خصوصاً ما يتعلق بتغيير الثقافات ومناهج التعليم، في الأراضي الفلسطينية، حتى لا تضيع الهوية الفلسطينية، في زحام ما يقال عنه مشاعاَ "سلام من طرف واحد"، وضرورة أن تكون هناك معايير في الداخل الإسرائيلي، وثقافته وتعليمه المعادي لكل ما هو فلسطيني، بل وعربي.

ومن المهم ألا تطال الأمور الثوابت الفلسطينية، تلك التي تؤمن بها الدول العربية، خصوصاً قدسية "القدس" وأنها العاصمة الفلسطينية، (القدس الشرقية)، والوصول بالنقاش إلى الإرهاب في الحوار، والتهديد بعدم شرعية أي مطالب فيما يتعلق بفلسطين التاريخية.

والمؤكد أن وجود مرجعية دولية لضمان تنفيذ الخطة، دون انحياز إلى الكيان الإسرائيلي، خصوصاً الأمر الذي يتعلق بألية حكم غزة في المرحلة الانتقالية، وضرورة أن تكون بشراكة فلسطينية، وألا تطول أكثر من الازم، وان يتم تحديد سقف زمني، لحكم فلسطيني، من خلال السلطة الفلسطينية، وهذا حق فلسطيني، مع ضمانات واضحة لحق الشعب الفلسطيني في الاعتراض على أي محاولات لتفريغ فلسطين من شعبها، وحتى لا تتحول إلى مناخ طارد بشروط مبالغ فيها من جانب أي طرف.

البعض يتخوف من خطط إعادة اعمار غزة، وألا تتحول إلى فكر استثماري فقط، بل يكون هناك البعض الاجتماعي في الإعمار، ليكون له الأولوية، من خلال حصر واقعي لخسائر غزة من حرب العامين، والتي تحتاج إلى ما يقل عن 70 مليار دولار، كرقم مبدئي، يضاف إلى ذلك وضع الأولويات للمساكن البديلة، وترميم ما يصلح من المنازل القابلة للترميم، بالتوازي، مع بناء المستشفيات والمدارس، والمرافق العامة والطرق، وضرورة ألا يتحوّل إعادة اعمار غزة إلى مشروع استثماري فقط، لصالح شركات استثمارية عالمية، وليس لأهلها، وربما لتهجير طوعي لسكان القطاع، بطرق وتعقيدات مختلفة.

من حق الجميع أن يبدوا قلقهم من خطة السلام في غزة، ومستقبل الدولة الفلسطينية، في ظل شروط من وجهة نظر البعض، أنه سلام من طرف واحد، ودولة بلا شعب، بل ما يريده الجميع سلام لشعب ناضل سنوات طويلة من أجل وطن حر.

------------------------------------

بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | نخشى تعبير