من قلب العاصمة الصينية بكين، حيث أشارك في دورة تدريبية تجمع نخبة من الإعلاميين العرب والأوروبيين، جاءني الخبر الذي جعل قلبي يخفق فرحًا واعتزازًا، مصر أنهت الحرب في غزة، لحظة لم تكن عادية، بل كانت عنوانًا جديدًا في سجل الشرف المصري، يؤكد أنها لا تتأخر عن نداء الإنسانية، وأنها تبقى دائمًا راعية السلام وصوت العقل في زمنٍ تكثر فيه الصراعات وتقل فيه الأيادي الممتدة للحوار.
لم تكن فرحتي مجرد فخر وطني، بل امتزجت بمشاعر مؤثرة عندما اقترب مني زملائي العرب المشاركون في الدورة، من مختلف الدول، ليقدموا لي التهاني بقولهم: "مبروك لمصر، ومبروك لرئيسكم عبدالفتاح السيسي الذي أوقف الحرب".. كلمات بسيطة، لكنها كانت تحمل تقديرًا عميقًا لدور مصر التاريخي، واعترافًا صادقًا بأن القاهرة لا تزال الرقم الصعب في معادلة الشرق الأوسط، قادرة على جمع الخصوم، وصياغة الحلول، وإعادة الأمل لشعوب أنهكتها المآسي.
في تلك اللحظة، شعرت أن كل مصري في أي بقعة من العالم، كان يسمع الخبر وكأنه يسمع نشيد الوطن، فإنهاء الحرب في غزة لم يكن إنجازًا سياسيًا فقط، بل كان نصرًا للإنسانية.
كانت مصر تتحرك، كما عهدناها، بحكمة قيادتها وحنكة دبلوماسيتها، لتطوي صفحة الألم وتفتح أبواب الأمل أمام أطفال غزة ونسائها وشيوخها.
لقد أثبت الرئيس عبد الفتاح السيسي مرة أخرى أن مصر حين تتحدث، يصغي العالم، وحين تتحرك، تتحرك معها قلوب الملايين. فمن شرم الشيخ، مدينة السلام، خرج صوت مصر واضحًا وقويًا داعيًا لوقف النار وإنهاء الحرب، في لحظة تاريخية جسّدت انتصار إرادة السلام على منطق الحرب.
في بكين، حيث التقيت زملاء من آسيا وأوروبا والعالم العربي، كان الجميع يتحدث عن الدبلوماسية المصرية باعتبارها نموذجًا فريدًا في إدارة الأزمات. بعضهم قال لي: "أنتم أبناء حضارة تعرف كيف تصنع السلام منذ آلاف السنين"، وآخرون أكدوا أن مبادرة الرئيس السيسي لم تكن مجرد تحرك سياسي، بل كانت رسالة إنسانية باسم مصر كلها، تذكر العالم بأن السلام ليس ضعفًا، بل هو قوة العدل والحكمة.
وبينما كانت التهاني تتوالى من الأصدقاء العرب وغيرهم، شعرت أنني لا أمثل نفسي فقط، بل أحمل على كتفي راية وطنٍ كتب تاريخه بحروف من ضوء في مسيرة السلام، كنت أقول بفخر: نعم، أنا مصرية… ووطني هو من أوقف الحرب وفتح طريق الأمل من جديد.
هذا الإنجاز لم يتحقق بين ليلة وضحاها، بل كان ثمرة جهود مصرية مضنية ومفاوضات معقدة قادتها أجهزة الدولة باحترافية ودبلوماسية هادئة، وبرعاية القيادة السياسية، وبالتعاون مع الأشقاء في قطر والولايات المتحدة، وبتأييد عربي ودولي، نجحت بلادي في تحقيق ما عجزت عنه قوى كبرى، وقف نزيف الدم وإعادة الأمل لشعب محاصر ومعذّب منذ سنوات.
لكن ما زاد المشهد بهجة وتأثيراً، هو ما شهدته عبر وسائل التواصل الاجتماعي في مصر والعالم العربي من انفجار في مشاعر الفخر والفرح، حيث امتلأت المنصات بالأغاني الوطنية والأناشيد الحماسية، وانهالت التهاني والدعوات لمصر ورئيسها، وكأننا نعيش يوماً جديداً من أيام النصر المجيد في أكتوبر.
فقد شعر المصريون أن انتصار السلام في غزة ليس حدثاً سياسياً فحسب، بل هو امتداد لروح الانتصار التي تسري في وجدان هذا الشعب العظيم، شعب يعرف أن العزة لا تكون فقط في ميادين الحرب، بل أيضاً في صناعة السلام وحماية الإنسان.
وتزامنت هذه الفرحة الكبرى مع سلسلة من النجاحات الوطنية المتتالية التي رفعت راية مصر عالية في المحافل الدولية، بدءاً من فوز الدكتور خالد العناني بمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو، مروراً بتأهل منتخب مصر لكرة القدم إلى بطولة كأس العالم 2026، وصولاً إلى هذا الإنجاز السياسي والإنساني الذي أنهى الحرب في غزة.
كلها محطات أكدت أن مصر تسير بخطى ثابتة نحو مستقبل مشرق، تجمع فيه بين القوة الناعمة والدور القيادي والمسؤولية التاريخية تجاه الأمة.
وما بين مشهد التهاني في بكين وأصداء الفرحة في القاهرة وغزة، كان المشهد أبلغ من أي كلمات: مصر تثبت من جديد أنها قلب الأمة النابض، وجسرها نحو السلام الحقيقي.
اليوم، وأنا أكتب هذه السطور من العاصمة الصينية، ما زلت أستشعر الفخر الذي عم قلبي في تلك اللحظة، حين أدركت أن الانتماء لمصر ليس مجرد هوية، بل رسالة للعالم بأننا أبناء دولة تصنع الأمل حين يختنق العالم باليأس.
سلامٌ على مصر التي تحفظ العهد وتزرع الأمل، وسلام على قائدها الذي حمل راية الإنسانية في زمنٍ كثرت فيه الحروب، وسلام على غزة التي تنبض اليوم بالحياة بعد صمت النار.
---------------------
بقلم: أميرة الشريف
                    






