في العتمة يبقى هناك أمل، وفي اللحظات الصعبة، ستبقى هناك طاقة نور تؤشر للنجاح، وفي أوقات الأزمات، سيبقى الحلم حقيقة، وفي ساعات الحزن، حتما هناك أبواب للفرح.
تلك الرسالة التي جاءت بها فوز الدكتور خالد العناني بمنصب مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" ليكسر الاحتكار الغربي الأمريكي الأسيوي لهذا المنصب، ليمثل مصر والعرب وإفريقيا للمرة الثانية في انتخابات حرة عالمية، صوتت خلالها 57 دولة تمثل المجلس التنفيذي للمنظمة الدولية، نال منها 55 صوتاً.
كم هي السعادة المصرية بفوز العناني برئاسة "اليونسكو، بعد 80 عاماً منذ تأسيسها، لتضيء طرقاَ بأنوار مصرية، ولإشراق دروب مظلمة، فرضتها التحديات التي نعيشها حالياً، وقد يكون منصب رئيس اليونسكو لا يهتم به كثير من الناس، إلا أنه في كل الأحوال يؤكد أن هناك أمل بتأكيد مكانة مصر العالمية والإقليمية، وأنها ولادة للكفاءات في كل شيء، وتصديرها للعالم، وتثبت أقدامها في كثير من المحافل.
هناك مناصب ومواقع عالمية يشغلها مصريون، وهذا في حد ذاته نجاح كبير، إلا أن الفرق بين هذه المناصب ورئاسة مصري لمنصب رئيس اليونسكو، كونه جاء في تصويت عالمي، ومنافسة، وبعد ثلاث محاولات على مدى حوالي ربع قرن، في انتخابات مماثلة، خاضها ثلاثة مرشحين مصريين، هم، الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية الأسبق، وفاروق حسني وزير الثقافة الأسبق، والدكتور مشيرة خطاب وزيرة الدولة للأسرة والسكان السابقة.
وواصلت مصر على مدى الـ 25 عاماً الماضية تحاول الفوز بهذا المنصب، وكان الأمل قائماً للفوز به، وتستند مصر في هذا الإصرار على تاريخ وإرث حضاري ممتد، وامتلاك أهم الأثار الحضرية، والتي تتجاوز ثلث التراث الإنساني، ومن خلال مرشحين يمتلكون خبرات طويلة تؤهلهم لإدارة أهم مؤسسة عالمية معنية بالثقافة والعلوم، والحضارة وتاريخها.
والأهمية النسبية لليونسكو أنها أبرز الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، وقد تأسست عام 1945، ومقرها عاصمة فرنسا باريس، ونشاطها تعزيز التعاون الدولي في مجالات التعليم والعلوم والثقافة والمعلومات، بهدف دعم السلام والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان، كما تتولي الإشراف على برامج رئيسية، منها حماية مواقع التراث العالمي، ودعم حرية التعبير، وتحسين جودة التعليم، والنهوض بالتنوع الثقافي واللغوي.
المؤكد أن فوز مصر ممثلاً في الدكتور خالد العناني بمنصب مدير عام (اليونسكو)، هو انجاز تاريخي، وجاء بعد ثلاث محاولات، لتأتي الرابعة بالفوز بمنصب دولي لمؤسسة أممية، يمثل حضورا مصرياً وعربياً وإفريقياً على قمة هرم أهم مؤسسة معنية بالتعليم والعلوم والثقافة والحضارة الإنسانية، والحفاظ على التراث العالمي.
تحديات كبيرة تواجه العناني، خاصة أزمات التمويل بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية، بقرار من دونالد ترامب، بوقف تمويل اليونسكو، مثل باقي مؤسسات أممية أخرى، وإيجاد حلول تمويلية مبتكرة، والسعي لإبرام شراكات مع القطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية، بخلاف تحسين معايير حماية التراث الإنساني من أي مخاطر يواجهها، وتحديدا في مناطق النزاعات والحروب والصراعات.
حتما سيعمل العناني خلال السنوات الأربعة المقبلة على تعزيز دور اليونسكو في مجالات التعليم والثقافة لبناء السلام وتوسيع مشاركة الدول النامية في برامج اليونسكو، مع دعم العدالة الثقافية وتكافؤ الفرص في التعليم والتحول الرقمي.
أعتقد أن الدكتور خالد العناني، لديه من الخبرات ومع خبراء المنظمة من أنحاء العالم في حل الكثير من المشاكل، والقضايا العالقة في اليونسكو، بما في ذلك تراجع مساهمات الدول الأعضاء، وتحديات سياسية لها تأثيرات واضحة على أنشطتها، بل وصل الأمر لتفسيرات دولية، بأنها مواقفها فيها الكثير من الانحيازات لأطراف دون أخرى.
ومن المهم أيضا استعادة اليونسكو لدورها في تجميع كل الأطراف تحت راية واحدة، من أجل مصالح مستقبل البشرية وتعزيز السلام، وذلك عبر توحيد وتعاون الجميع للعمل من أجل حل المشكلات في مجالات التربية والتعليم والعلوم والاتصال والمعلومات والثقافة في مختلف بلدان العالم.
ندرك أن العناني جاء على رأس هرم اليونسكو في ظل متغيرات عالمية، خاصة شح التمويل، بفعل فاعل من دونالد ترامب، ونزاعات وصراعات داخل العديد من الدول وبين دول، عرضت الكثير من التراث الإنساني للخطر، بخلاف ما يتعلق بقضايا الثقافة والعلوم، وحالة تسييس للمنظمة، لإخراجها عن أهدافها الرئيسية، وبالتالي الآمال معقودة على دكتور العناني، وهناك يقين قوي بقدرته على المواجهة وطرح الحلول.
------------------------
بقلم: محمود الحضري