سأبدأ مقالتي بعبارة أستاذنا الدكتور محمد سعيد زيدان ، يقول زيدان: "إذا خبا التفلسف، خبا التعقل ، وإذا خبا التعقل فانتظروا التطرف والإرهاب."
وهذا يقودنا إلى الحديث هل نحن في حاجة إلى التفلسف الآن.؟!، نقول نحن في أمس الحاجة إلى الفلسفة الآن أكثر من أي وقت مضى.! لماذا ؟!، لأن التفلسف يعني التفكر، والتفكر يعني التأمل والتأمل يعني إعمال العقل، وإعمال العقل يعني النظر ، والنظر يعني الاستبصار.
إذن نحن في حاجة مستمرة إلى إعمال العقل الذي هو لطيفة ربانية وهبها الله لنا، أو كما قال الغزالي، هو أنموذج من نور الله تعالى، وهبه الله لعباده ليخرجهم من ظلمات الجهالات، إلى مدارج ومعارج القدس، إلى إنطلاقة معرفية تدبرية بغية الوصول إلى الحقيقة، حقيقة حياتنا، وجودنا، حقيقة معارفنا حتى يزول اندهاشنا وتعجبنا، فالدهشة والتعجب طريقان للتفلسف.
نعم نحن فى أشد الحاجة إلى إعمال العقل وتلك دعوة الله تعالى لنا، ألم يقل الله تعالى في محكم التنزيل،" فاعتبروا يا أولي الألباب"
فالاعتبار منهج مقوم لحياتنا، نتدبر من خلاله واقعنا المعيش، ونعاين قضايانا المستحدثة، فليس كما كان سائدا قديما أن الفلسفة عديمة الفائدة، كما قال أفلاطون "إن الجمهور ميال للاعتقاد أن الفلسفة عديمة الفائدة"، وأن الفيلسوف عبارة عن إنسان يبحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة.
لا وألف لا، فكل عصر قضاياه ومشكلاته، وقضايانا الآن كثيرة وقد يظن البعض إنها عصية الحل، وأنه ليس ثمة فائدة من حياتنا، نقول لهؤلاء، كيف تقولون هذا ونحن كرمنا الله بالعقل الذي من خلاله نسعى للغوص في بطون هذه المشكلات من أجل الوصول إلى حلول لها.
نعم لدينا قضايا كثيرة كتجديد الخطاب الديني، قضايا استخدامات الذكاء الاصطناعي، قضايا سياسية، اقتصادية، اجتماعية، أزمة قيم وأخلاق، وغيرها، هل مطلوب منا أن نقف متفرجين ولا ندلي بدلونا، إذا كان ذلك كذلك، فأولى بنا ولنا أن نكون كالأنعام نأكل ونشرب ونتكاثر وننتظر الذبح، والذبح هنا، الذبح العقلي أي قتل الجانب الحي فينا الجانب العاقل الذي ينظم حياتنا ويتحول بنا من حياة البهائمية إلى حياة الإنسية.
وهنا تأتي وظيفة الفلسفة، فللفلسفة ثلاثة وظائف رئيسة تتشعب منها وظائف كثيرة، الوظيفة الأولى، هي الإختبار والنقد، فالاختبار بمعنى نختبر قضايانا المطروحة على الساحة من خلال طرحها أمام أعيننا، العين العاقل الدراكة، ثم نقول بتحليلها ومقارنتها ببعضها البعض، ثم نستخدم المنهجية العقلية من أجل تقديم الحلول الناجعة لها.
ثم نأتي إلى الوظيفة الثانية للفلسفة، إثارة التساؤلات وطرح المشكلات، نعم الإنسان دأبه وديدنه السؤال من أجل المعرفة وإذا ما عرف يقوم بفحص هذه المعارف مستخدما الشك المنهجي من أجل الوصول إلى كنه الحقيقي ويحاول أن يحقق الإدراك واليقين المعرفي، فيعرض معارفه على الحواس، فيجدها خادعة لا تقدم له الرؤية كاملة، فيتجه إلى وسيلة أخرى فيتجه إلى العقل، إلا إنه يشك أيضا في نتائجه فيتجه إلى الحدس القلبي إلا إنه سيواجه بسؤال وهل هذا الحدس متوافر للجميع، فيظل في حيرة من أمره، وهذه الحيرة والقلق تجعله دوما في حالة من التفكر للبحث عن إجابات للأسئلة التي تدور في خلده أو التي قد تطرح أمامه، لماذا خلقنا، ما مصيرنا، هل نحن أحرار، ما معنى حياتنا، معنى العالم، معنى التاريخ.
وهذا يقودنا إلى الحديث عن الوظيفة الثالثة للفلسفة وهي محاولة الإجابة على هذه التساؤلات، وهل هذه الإجابات سترضي غرورونا المعرفي.
ثم نأتي إلى الوظيفة الرابعة للفلسفة وهي التحليل المنطقي لللغة التي نستخدمها في حياتنا اليومية، من أجل إزالة اللبس والغموض الذي قد يكتنف بعض المصطلحات للوصول إلى تحليل دقيق لمستغلق الألفاظ.
لكن السؤال الذي ينبغي أن نطرحه الآن، ما فؤائد الفلسفة.؟!، وفي الإجابة على هذا السؤال رد دامغ وإجابة شافية نوجهها إلى أولئك الأخيار الذين يريدون الإطاحة بالفلسفة واستئصال شأفتها.
الفائدة الأولى، تستثير إحساسنا بالقيم، قيم الحق، الخير، الجمال.
الفائدة الثانية، تنمية الحوار الفكري بين الإنسان وأخيه الإنسان دون تعصب أو تحزب أو استبداد بالرأي.
الفائدة الثالثة، تعلم المرء الشجاعة في قول الحق وقول الصدق.
الفائدة الرابعة ، تكون المفهوم الجديد للناس عن الواقع وتدعوهم إلى الانطلاق إلى مستقبل أفضل.
الفائدة الخامسة، مواجهة المشكلات والتحديات التي تواجهنا ومحاولة تقديم حلول لها.
الفائدة السادسة، تغرس فينا حب المعرفة، وتربي فينا النزعة العقلانية.
وللحديث بقية عن نشأة الفلسفة.
-------------------------------
بقلم: د. عادل القليعي
* أستاذ الفلسفة بآداب حلوان.