يشهد الشرق الأوسط اليوم أعقد مراحله التاريخية، حيث تتداخل الأبعاد العسكرية مع السياسية والاقتصادية في معركة مفتوحة للسيطرة والهيمنة. ومن يتابع بدقة خارطة التحركات العسكرية يجد أن المنطقة تسير على خيط رفيع بين حرب شاملة وصراع بارد طويل الأمد.
الخليج وإيران... رسائل النار عبر البحر
في الخليج العربي، تتسارع الحشود الأميركية عبر حاملات الطائرات والمدمرات البحرية، في محاولة لإرسال رسائل ردع لإيران، التي طورت قدراتها الصاروخية والطائرات المسيّرة، وأثبتت أنها قادرة على تهديد الممرات البحرية الاستراتيجية التي تمر عبرها إمدادات الطاقة للعالم. هذا التصعيد ليس مجرد استعراض قوة، بل معركة إرادات بين واشنطن وطهران، حيث يسعى كل طرف لتثبيت نفوذه بالقوة.
سوريا... بين موسكو وأنقرة وواشنطن
المشهد السوري ما زال متأرجحًا بين التواجد الروسي الذي يضمن بقاء النظام، والتحركات الأميركية والتركية التي تحاول فرض معادلات جديدة على الأرض. التدخل التركي في الشمال السوري يحمل أبعادًا أبعد من الأمن القومي، بينما موسكو تستخدم الأرض السورية كورقة ضغط على الغرب في ظل حرب أوكرانيا. وهنا تقف مصر بموقف متوازن واضح: رفض التقسيم ودعم وحدة الدولة السورية، إدراكًا منها أن سقوط سوريا يعني سقوط ركن أساسي من أركان الأمن القومي العربي.
الكيان الصهيوني... تفوق قلق ومواجهة محتومة
الكيان الصهيوني يواصل التصعيد عبر غارات متكررة على الأراضي السورية، واستعراضات عسكرية في البحر المتوسط، سعيًا لتثبيت تفوقه العسكري. غير أن ما يثير قلق تل أبيب حقًا هو تنامي القدرات الصاروخية لحزب الله وتصاعد المقاومة الفلسطينية التي كسرت المعادلة التقليدية للردع. وفي خلفية هذا المشهد، تبرز مصر كالعقبة الأكبر أمام مشروعات التوسع الصهيوني ومحاولات فرض الهيمنة.
اليمن وليبيا... جبهات الاستنزاف
اليمن ما زال ساحة استنزاف لشعبه بفعل حرب الوكلاء، وليبيا تشهد تدخلات متعددة تحاول استهداف أمنها القومي. غير أن مصر وضعت خطوطًا حمراء واضحة: الأمن الليبي جزء لا يتجزأ من الأمن المصري. هذه الرسالة السيادية الحاسمة من القاهرة أوقفت اندفاعات كثيرة، وأكدت أن مصر لن تسمح بتحويل حدودها الغربية إلى ساحة فوضى، وأن جيشها مستعد دائمًا للتدخل الحاسم لحماية الأمن القومي.
مصر... درع الأمة وسند الشعوب
وسط هذه المشاهد المعقدة، تبرز مصر كركيزة التوازن الأساسية، فهي لا تتحرك بمنطق رد الفعل، بل وفق رؤية استراتيجية عنوانها: الاستقرار بالقوة والسيادة بالقرار المستقل.
القوات المسلحة المصرية، بقدراتها النوعية وتسليحها الحديث، صارت أقوى الجيوش العربية والأفريقية، وقادرة على حماية مصالحها وردع أي تهديد خارجي. هذا التفوق جاء بفضل قيادة سيادية حكيمة ربطت بين القوة العسكرية والدبلوماسية الذكية، وجعلت مصر لاعبًا لا يمكن تجاوزه في أي معادلة إقليمية.
معركة الإرادة والسيادة
ما يجري اليوم في الشرق الأوسط ليس مجرد نزاع مسلح، بل هو معركة على السيادة والقرار. مصر برهنت أنها ليست أداة بيد أحد، لا للغرب ولا للشرق، بل هي صاحبة قرار مستقل وصوت عربي جامع، قادر على حماية مصالح الشعوب وإفشال مشاريع الهيمنة الخارجية.
رسالة للقوى الإقليمية والدولية
إلى كل قوة تحاول العبث بأمن المنطقة أو استخدام أراضيها كساحة لتصفية الحسابات: إنكم تخطئون التقدير حين تتجاهلون أن الأمة العربية ليست فراغًا سياسيًا ولا فراغًا عسكريًا، بل هي شعوب تملك الإرادة، وجيوش قادرة على فرض سيادتها.
إن مصر، بقيادتها السيادية وجيشها العظيم، لن تسمح بتكرار سيناريوهات التفتيت أو تحويل الأوطان إلى ساحات دائمة للحروب بالوكالة. فالأمن القومي العربي يبدأ من القاهرة، وأي مساس به سيُقابل بردع مباشر وقوي، يحفظ الكرامة والسيادة ويعيد التوازن إلى نصابه.
لقد آن الأوان أن تدرك القوى الكبرى أن زمن فرض الإرادة من الخارج قد انتهى، وأن الشعوب العربية – وفي مقدمتها مصر – قررت أن تمتلك قرارها المستقل، وتعيد صياغة معادلة القوة بما يخدم مصالحها الوطنية وأمنها الإقليمي.
ومصر تقولها بوضوح:
لسنا ضد السلام، لكننا لا نسمح بالانكسار. لسنا دعاة حرب، لكننا لا نقبل بالتهديد. ولسنا تابعين لأحد، بل قادة برؤية وسيادة وإرادة حرة.
--------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي