06 - 10 - 2025

وليمة الأيتام علي مائدة اللئام في واشنطن!

وليمة الأيتام علي مائدة اللئام في واشنطن!

مساء أمس ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٥ ، وقف رونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وإلي جواره بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني في مؤتمر صحفي، تقدم  فيه ترامب بقراءة محتويات وثيقته التي يرغب في الحصول من خلالها علي "جائزة نوبل للسلام" .

وربما من المبكر الإحاطة بكل ملابسات هذه الوثيقة، ولكن من اللحظة الأولي، ومن واقع تعليقات نتنياهو نفسه، يتضح أن ما أطلق عليه إسم: "خطة ترامب"، هي وثيقة صاغها نتنياهو ووقع عليها ترامب، ويدعون أن لديهم شهود زور عليها من عرب ومسلمين !.

والحقيقة الأولي التي لا يمكن إنكارها، هي أنه منذ قفز ترامب إلي سدة الحكم، أصبح البيت الأبيض في واشنطن ساحة للثرثرة الفارغة Talk for talk ، ربما لا تختلف كثيراً في "الصنف" عن "ثرثرة" عوامة نجيب محفوظ .. مجرد تهويم فارغ يسبح في سحابات دخان أزرق !

ورغم ذلك، قد يكون من الخطورة الإستهانة بما يصدر من "ترهات" (مثل التوجه لإحتلال كندا ، وقناة بنما و .. إلخ)، ولكن الأخطر هو أخذ كل ما يثرثر به ترامب بجدية، فهو قد يقول ليلاً ما يقول عكسه في الصباح، سواء في سياسته الداخلية آو الخارجية.

وثيقة بها من الثقوب أكثر مما بها من سطور تحمل أي مضمون حقيقي يقترب و لو من بعيد لحل أزمة الشرق الأوسط ، وما حدث بالأمس في واشنطن يبدو أنه وليمة لم يدع إليها الفلسطينيين ، أما العرب الذين أشار ترامب إلي دعمهم إلي تلك الوثيقة ، فقد كانوا مثل الأيتام حول مائدة اللئام .

وبشكل عام، تلك وثيقة أخطر من وعد بلفور، فإذا كان الوعد قد تحدث عن دولتين في فلسطين إحداهما عربية و الأخري يهودية، فإن وثيقة ترامب تعني تصفية نهائية للقضية الفلسطينية، حين تشير إلي الحقوق الفلسطينية بإعتبارها مجرد "أمنيات"، ودون إشارة إلي ما اكتسبته مسألة الدولة الفلسطينية من اعتراف دولي واسع.

فعلي سبيل المثال، القيد الزمني الوحيد الذي حددته الخطة هو ٧٢ ساعة كي تعلن حماس قبولها لكل ما جاء بالوثيقة، فإذا رفضت فإن علي إسرائيل أن تفعل ما تشاء، أما غير ذلك فلا تحديد لجدول زمني لإنسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، ولا تحديد لموعد فتح كل المعابر لتدفق المساعدات إلي الشعب المحاصر، ولا تحديد يربط ما بين فك القيود لإنطلاق ما يسمي "السلام الإبراهيمي"، مع نهاية الإحتلال الإسرائيلي وانسحابها من الأراضي التي احتلتها عام ١٩٦٧.

مجرد ٧٢ ساعة حتي لا تصل ذكري السابع من أكتوبر إلا بإعلان بهزيمة المقاومة الفلسطينية، ويحقق ترامب لإسرائيل، دون أن يطلق طلقة واحدة، ما عجز نتنياهو علي مدي عامين من تحقيقه، رغم استخدامه لكل ما في ترسانة إسرائيل وأمريكا من أسلحة الدمار الفتاكة.

حقيقة الأمر أن تلك الوثيقة تقدم لبنيامين نتنياهو طوق نجاة، وتربطه بحبل هو في حقيقته مشنقة للأمال المشروعة للشعب الفلسطيني، وبينما يتتالي الإعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، وتتجه قوافل سفن العالم إلي شواطئ غزة، في أكبر مظاهرة بحرية سلمية لدعم أي قضية في التاريخ، يسارع ترامب لإنقاذ رفيقه في مذبحة غزة.

مجلس السلام برئاسة ترامب وعضوية قطر وبريطانيا أو بالأحري أبو العروسة ومعه سفاح بغداد توني بلير، وربما بعض شهود الزور، لإدارة غزه.

لقد حاول ترامب إعطاء انطباع بحصول خطته علي مباركة الدول العربية والإسلامية، ولو صح ذلك، فإنه يعني ببساطة أن تلك الدول قد وافقت علي إلقاء قرارات قممها المتتالية في صندوق القمامة، لأن وثيقة ترامب لم تتضمن أي إشارة إلي تلك القرارات أو حتي أدرجت أياً  من ضماناتها.

ومن ناحية أخري فإن الوثيقة تحتقر السلطة الفلسطينية، وتركلها جانبا، ومعها اتفاق أوسلو وكل الإتفاقات التي وقعت بعده علي مر السنين.

أن الموافقة علي ما جاء في تلك الوثيقة بغير شروط، تعني إلغاء موقف محكمة العدل الدولية بشأن ارتكاب إسرائيل لجريمة الإبادة، كما تعني أيضا إلغاء موقف المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بأوامر الضبط والإحضار لمجرمي الحرب الإسرائيليين، وعلي رأسهم بنيامين نتنياهو .

ومن المؤكد أنه ليس لأحد أن يقرر نيابة عن المقاومة الفلسطينية الموقف من تلك الوثيقة، و إذا كان هناك ما يمكن قوله فهو أنه قد يكون من الصحيح أن يتم رفض هذه الخطة، ولكن ذلك في تقديري ليس الأصح، كما أن القبول المطلق بما جاء فيها هو إعلان الاستسلام بلا قيد آو شرط ..

وما ببين القطبين ( القبول والرفض ) هناك الكثير مما يمكن أن يقال ...

وحتي كتابة هذا المقال المختصر ، فلا يوجد حتي الآن تعقيب رسمي من أي دولة عربية أو إسلامية علي ما ورد بشأنهم في بيان ترامب أمس .

ورغم كل ما تقدم ، وفي إطار تحرك دبلوماسي نشيط، يمكن أن تري المقاومة الفلسطينية الإعلان عن موافقتها علي ما جاء  وثيقة ترامب بشأن وقف إطلاق النار والإنسحاب الإسرائيلي، مع طلب ضمانات محددة يتم إفراغها في وثيقة للأمم المتحدة تشير إلي القرار 181، وتضع جدول زمني ملزم لتنفيذه، بما يتضمن مسألة عودة اللاجئين أو تعويضهم، وكذلك الإعلان الواضح بالإعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها في القدس الشرقية، وأن يتم كل ذلك تحت الإشراف المباشر للأمم المتحدة، مع إستئناف عمل الأونروا ودعمها.

وقد لايبقي بعد فشل خطة ترامب ، إلا العمل علي إنجاح خطة الرئيس الكولومبي التي أعلن عنها في نيويورك علي هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وللحديث بقية ، إذا شاء الله ..
-----------------------------
بقلم السفير: معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية الأسبق


مقالات اخرى للكاتب

ضرورة إيقاف نتنياهو ولو بالقوة !