29 - 09 - 2025

كي لا تفقد نفسك في الطريق

كي لا تفقد نفسك في الطريق

حين تسأل أي إنسان عمّا يبحث عنه في هذه الحياة، لا تحتاج لكثير من التحليل كي تتوقع إجابته؛  فكلنا نريد الشيء ذاته، وإن اختلفت الألفاظ. نريد راحة البال،  نريد الصحة، أيضا نريد المال الذي يلبي ما نحتاجه من متاع الدنيا، وقبل ذلك نريد أبناء ، يسيرون في الحياة بثبات لنسعد بهم ومعهم .. و لكن السؤال الحقيقي ليس عمّا نريد، بل عمّا نفعل كي نصل لما نريد ؟؟ .

كثيرون يجيبون تلقائياً بأنهم يعملون ويجتهدون، وهذا صحيح في ظاهره، لكن واقع الحياة يخبرنا أن الطريق الذي يسلكه البعض ليس دائماً معبّداً بالاجتهاد، بل أحياناً الطريق يعتريه التنازلات وربما ، المجاملات القسرية،  وقد يصل إلى تجاوز  ما لا ينبغي تجاوزه في سبيل مكسب سريع أو منصب غير مستحق، أو لحظة تصفيق لبطولة زائفة ،  ومن المدهش أن بعض هؤلاء يظنون أنهم أذكى من غيرهم لأنهم "عرفوا من أين تُؤكل الكتف"، بينما الحقيقة أن الذكاء الحقيقي ليس في الوصول السريع، بل في الوصول دون أن يترك الطريق ندوباً في الروح والضمير، وهذا بلا شك لمن لديهم ضمير لان البعض مع الأسف تخلصوا من ضميرهم بشكل كامل .

لقد رأينا بأعيننا من اعتلى منصباً أو جمع مالاً، لكنه فقد شيئاً أغلى بكثير؛ فقد احترامه لنفسه، قبل أن يفقد احترام الآخرين ورغم اننا نشاهد هؤلاء يبتسمون في صورهم الكثيرة على  مواقع التواصل، إلا أنهم لا يجرؤون على النظر في المرآة طويلاً. النجاح الذي يُشعل حولك الأضواء ليس نجاحاً حقيقياً إن كان يطفئه من الداخل. وكما قال الفيلسوف رالف والدو إيمرسون: "النجاح أن تضحك كثيراً وتحب بصدق، وأن تنام وضميرك مرتاح"، لا أن تحصي مكاسبك بينما قلبك يردد: كان يمكن أن أصل بطريقة أفضل .

إن الطريق الذي يقوم على الاحتيال قد يختصر المسافة، لكنه لا يلغي الثمن، أما الطريق القائم على النزاهة فإنه بطيء ربما، لكنه أكثر أمناً، لأنه يضمن لك ألا تصل إلى ما تريد وأنت شخص آخر غير الذي كنت تحلم أن تكونه. الإنسان لا يريد النجاح فحسب، بل يريد أن ينظر خلفه دون أن يخجل .. ما زلت أذكر ما قالته لي إحدى الصديقات بأنها منذ التحاقها بعملها في إحدى المؤسسات الهامة وهي تجتهد ولا تجامل على حساب ما تعتقد من مبادئ وأخلاق، وفي المقابل لها زملاء يسلكون عكس هذا الأمر، فهم ينافقون ويقفزون على  الحقائق من أجل الحصول على امتيازات غير مستحقة، وتضيف أنه بعد مرور ما يزيد عن ثلاثين عاما في العمل لم يصل أحد منهم الى أفضل ما وصلت إليه، فمثلا إذا  كان أحدهم أنفق الملايين  على تعليم أبنائه، فقد كافأها الله بتفوق أبنائها وحصلوا على منح دراسية دون أن تتكلف ما تكلفوا، والمعنى أن الالتزام بالخلق والمبادئ يمنحك أفضل مما يحصل عليه الفاسدون من مكاسب مادية، ناهيك عن راحة البال والضمير .

كلنا في نهاية اليوم نحتاج أن نضع رؤوسنا على الوسادة بسلام، أن نشعر أن رصيدنا من الكرامة لم ينقص مقابل ما ربحناه. وهذه هي النقطة التي لا يتعلمها المرء من الكتب، بل من اصطدامه بالحياة ومن مراقبته الصامتة للوجوه التي صعدت سريعاً وسقطت أسرع، وللوجوه التي صعدت ببطء لكنها لما وصلت، لم تسقط أبداً.

وكما قال الأديب توماس كارليل: "الضمير هو صوت الله في الإنسان"، ومن يخرس هذا الصوت قد يربح كثيراً، لكنه يخسر أهم ما لديه .. نفسه.

وحين نتحدث عن بناء الأجيال الجديدة، فإن أخطر ما يمكن أن نورثهم إياه ليس فقراً ولا قلة حظ، بل فكراً يقول إن الذكاء يعني أن تأخذ ما تستطيع لا ما تستحق، وإن النجاح مجرد قفز لا سير، وإن الغاية تُعمي عن الطريق. بينما الحقيقة التي يجب أن نعلّمها لأولادنا أن الإنسان الذي يقف مرفوع الرأس، حتى وهو لا يملك إلا القليل، أكثر غنى ممن يملك كل شيء لكنه يمشي منكّساً لأنه يعرف كيف حصل عليه.

وان يعلموا ان كل ما نفعله في الحياة  وما نحصل عليه سندفع ثمنه في الدنيا وفي الاخرة، ومن يسطو على حقوق الآخرين  لابد أن يهيئ نفسه لدفع  الثمن، وهو في الغالب يكون فادحا، خاصة إذا  طال الأبناء أو السمعة أو الصحة.. لنعلم أن الطريق الذي نسلكه إلى ما نريده، أهم مما نريده.
--------------------------
بقلم: سحر الببلاوي


مقالات اخرى للكاتب

كي لا تفقد نفسك في الطريق