"الشيطان لم يكن متاحًا فحضر بلير"… هكذا علقت الصحفية البريطانية آش ساركار على حضور توني بلير في المناقشات حول غزة بالبيت الأبيض قبل أن تتضح معالم الخطة الأمريكية التي بموجبها يتم إعداد المسرح ليكون رئيس الوزراء البريطاني الأسبق حاكما مؤقتا لغزة.
بموجب المقترح فإن بلير سيقود هيئة تسمى "السلطة الانتقالية الدولية لغزة GITA"، ستكون ذات صلاحيات باعتبارها "السلطة السياسية والقانونية العليا" في غزة لمدة تصل إلى خمس سنوات.
ويقترح معدو الخطة أن يكون مقر هيئة "غيتا" في مدينة العريش المصرية، القريبة من الحدود الجنوبية لقطاع غزة، قبل أن تنتقل لاحقاً إلى القطاع برفقة قوة متعددة الجنسيات ذات غالبية عربية وبتفويض من الأمم المتحدة.
ولوجود مقر هيئة "غيتا" بالعريش رمزية ، كما أنها لا تخلو من دلالات يجعلها جديرة بالمناقشة، فالشيطان يكمن دوما في التفاصيل:
- من الناحية العملياتية وهي الأخطر لن يكون بلير وحده، بل كامل السلطة الانتقالية الدولية (كما أسمتها المبادرة الأمريكية)، فوفق المقترح يتولى بلير رئاسة أمانة عامة تضم ما يصل إلى 25 شخصاً، وسيترأس مجلساً مكوناً من سبعة إلى عشرة أعضاء، بينهم "ممثل فلسطيني واحد، إضافة إلى مسؤول رفيع من الأمم المتحدة، وشخصيات دولية ذات خبرة تنفيذية أو مالية. بالتالي فإن بلير سيكون بصحبته مسؤولي "غيتا" وأجهزتها الفنية المعاونة، وبالطبع ستكون لها حصانة ولها حراسات خاصة ستشكل غالبا من قوة متعددة الجنسيات.
وهذا قد يعني تنازع سلطتين أمنيتين (وربما احتكاكهما) أثناء تحرك أفراد هذه السلطة جيئة وذهابا إلى غزة أو سفرا واستقبال مبعوثين وضيوف عبر مطار العريش. مما قد يخلق مشاكل لا حصر لها.
- من ناحية الدلالات فهي كثيرة أولها أن مصر التي كانت على مدي خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي ، تتدنى بها الأحوال فتصبح مقرا لما يشبه سلطة انتداب، فليس الهدف من الخطة بأكملها تحقيق مصلحة فلسطينية أو عربية، بدليل غياب أي أفق لحل سياسي نهائي وإنما مجرد عبارات مطاطة ، قد يمد أمد هذه السلطة المؤقتة لعقود ، فالمخطط الأمريكي لا يهدف إلى السلام، بل لتلميع سياسة التطهير العرقي دون فرض مساءلة حقيقية لإسرائيل (كما تؤكد الصحفية البريطانية آش ساركار).
ثاني الدلالات أن شمال سيناء هو المأوى الطبيعي لأهالي غزة إن ضاقت بهم السبل بدليل أن إدارة حكمهم ستكون في العريش (وهذا محل رفض مصري حازم وقاطع).
ثالث الدلالات أن مصر تغض الطرف عن مخطط لا يستهدف غير تدجين الفلسطينيين وإجبارهم قسرا على قبول الأمر الواقع وهو مالم تفلح فيه حرب إبادة استمرت لنحو سنتين كاملتين دون هوادة ودون انقطاع، والقبول بهذه المبادرة الأمريكية الخبيثة لا يعني غير أن السياسة العربية خذلت الكفاح الفلسطيني على كل المستويات. وأنها ستخذله لعقود أخرى.
التساؤل هو إذا كان بلير وإدارته سيعمل "خادما" لدى سلطات الاحتلال، لماذا لايكون مقره إحدى المستوطنات في غلاف غزة، بما يضمن له الحماية من جيش الاحتلال وسهولة الحركة والانتقال من وإلى القطاع المنكوب!
---------------------------
بقلم: مجدي شندي