28 - 09 - 2025

هل تراني الآن؟ ... لغة جديدة تُبشر بتيار مسرحي رقمي يرصد آلام جيل زد (صور)

هل تراني الآن؟ ... لغة جديدة تُبشر بتيار مسرحي رقمي يرصد آلام جيل زد (صور)

استطاعت مسرحية (هل تراني الآن؟أن تحقق نجاحاً جماهيرياً للمرة الثالثة في مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة في دورته الثالثة، وذلك بعد أن لاقت استحسان الجمهور ولجان التحكيم والنقاد في مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، ومهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي نسخة 2025، وربما يعود ذلك إلى أسباب عدة، أهمها أنها عمل مسرحي يعبر بصدق عن Gen Z، أو جيل زد، أو الجيل الذي ولد منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين وحتى نصف العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين، وهم معروفين أيضاً بأنهم أول جيل رقمي أصلي، حيث أنهم لا يعرفون عالماً بدون إنترنت

كان لابد لي من كتابة هذه المقدمة البسيطة قبل أن نتطرق إلى مسرحية (هل تراني الآنوهي تُعد تعبيراً درامياً ناجحاً لفكرة المقال الذي كتبته ربما منذ عشرة سنوات عندما لاحظت تحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى عنصر أساسي في حياتنا وكأننا نقص مذكراتنا اليومية عبرها ونتنافس في روعة الصور ونشرها مع بعضنا البعض، كان المقال بعنوان (شوفوني شوفوني)، وهو نفس الموضوع الذي لامسته (هل تراني الآن؟حيث تُجسد مدى توغل السوشيال ميديا في حياتنا لدرجة أصبحت مريبة وأصبح الجميع يرغبون في أن يكونوا معروفين ومشهورين، ولم تعد هناك حدود ولا معايير لمن هو الشخص المعروف أو الجماهيري، فنحن نستيقظ يومياً على أسماءٍ جديدة من المفترض أنها كما هو دارج في حياتنا الحديثة من (المؤثرين)، وقد تم ضبطه لأسباب متعددة منها القتل المتسلسل مثلما حدث في القضية الشهيرة بـ (سفاح التجمعوالذي كان يقدم فيدوهات بريئة على منصة التيك توك يُعلم فيها النطق الصحيح للغة الإنجليزية، وكذلك القضاياً المتوالية للفتيات اللائي يعملن في الدعارة المُقنعة تحت عنوان المؤثرين أيضاً، وهن في الحقيقة يعملن تحت رعاية شركات عالمية تمولهن لتمرير رسائل معينة تعمل على تغيير توجهات وأفكار الشباب

تدور القصة حول فتاة لأسباب اجتماعية تقتل زميلها في العمل وتصبح حديث الناس عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وقد استطاعت لُبنى المنسي مؤلفة العرض ومخرجته أن تقدمه بطريقة سرد تُشبه الفلاش باك، فتبدأ من نقطة زمنية تُجسد المستقبل تفتح بها باب السؤال لدى الجمهور، ومنها تنطلق إلى الحكاية الحقيقية التي تؤدي بنا إلى نقطة النهاية التي بدأنا منها

تستخدم المؤلفة والمخرجة أسلوباً  إخراجياً دائرياً (إن صح التعبير) في أسلوب سردي يُشبه الرحلة التي تمر على محطات رئيسية تحكي لنا على عجالة، تُشبه جيل زد الذي لا يصبر على شئ حتى يصل إلى النتيجة، قصة فتاة تصل إلى حدود الانهيار النفسي ما يجعلها تقترف جريمة قتل زميلها في العمل.

تبتعد المخرجة عن شكل المسرح الإيطالي، أو مسرح العلبة كما هو معروف، لتقدم عملها المسرحي في فضاء مفتوح ولكنها هذه المرة تضع الجمهور في المنتصف بينما يتحرك الممثلون الثلاثة أبطال العرض حول الجمهور في شكل دائري كما ذكرت سابقاً، ليكون هناك تفاعلاً بين الممثلين وبين الجمهور من خلال تبادل الحديث وأخذ رأي الجمهور في بعض المواضع الحوارية البسيطة

يتأثر الديكور والإضاءة والملابس في مسرحية (هل تراني الآنبشكل كبير بالأعمال السينمائية الأمريكية في بعض المواضع مثل سلسلة أفلام  The hunger games خاصة في الأجزاء الخاصة بتحقيق حلم البطلة بحضور حفل لنجمتها المفضلة، والأجزاء الخاصة بمحاولاتها التواصل مع جارتها، والهوس الكبير في محاولتها لتكوين الصداقات في مقر عملها، وهو متوقع لدى هذا الجيل من الفنانين الذين تشبعوا بثقافة بصرية عالمية من خلال تواصلهم الدائم بكل الإنتاج الفني العالمي عبر الإنترنت

المسرحية تُقدم لغة بصرية مغايرة، كذلك تُقدم سرداً معاصراً وحُواراً حساساً يحكي قصصاً جديدة لجيل لا نعرف أن نتفاهم معه، وقد لا نفهم مواضع ألمه وانكساراته، فهو جيل هش مقارنة بالأجيال السابقة عليه كما نظن وربما نكون مخطئين، لكن مما لا شك فيه، أن هذا الجيل الرقمي لديه رؤية ومعايير مغايرة عنَّا وبالتالي أصبحت لديه حساسية تجاه موضوعات لا ندركها أو لم تكن ذات أهمية لنا ونحن في أعمارهم

الحقيقة هي أن هذه المسرحية استطاعت بجدارة أن تدخلنا إلى عالم جيل زد، ورؤية أحزانه من منظوره الخاص لنبكي على أوجاعه التي نستهجنها أو نقلل منها ونحن على مسافة بعيدة عنهم، وما يجب أن أذكره في آخر المقال هو الممثلين الثلاثة الذين لعبوا بجدارة بطولة هذا العرض الصغير الرائع وهم ليديا فاروق وأبانوب بحر وماركو نبيل، فلقد أضافوا كثيراً لهذا العمل الذي يُبشر بلغة مسرحية مصرية جديدة، يجب الالتفات إليها ورصدها، ويمكننا أن نطلق على هذه اللغة الجديدة (تيار المسرح الرقمي) .... من يدري؟
-----------------------
بقلم: أمنية طلعت المصري