03 - 10 - 2025

دواعي السفر وقليل من الاهتمام!

دواعي السفر وقليل من الاهتمام!

يجيب مسلسل "دواعي السفر" للمؤلف والمخرج محمد ناير، وبطولة أمير عيد وكامل الباشا ونادين ومريم نعوم، عن سؤال هام: هل يمكن أن يمنح اليائس من الحياة الأمل لشخص آخر؟ وأن يقف إلى جواره حتى يتجاوز محنته؟ 

من دون شك، هناك دائمًا أمل، حتى لدى أولئك الواقفين على حافة الهاوية، بشرط أن تكون هناك إرادة، بغض النظر عن حالها؛ قوية أو ضعيفة، أو حتى ممزقة. الإرادة مثل الخلايا الطبيعية في الجسم، تتكاثر وتنمو في البيئة المناسبة لها، وأول ما تحتاجه هو الاهتمام.. أنك مهم عند هؤلاء، وغال عند تلك المجموعة، ولا تقدر بثمن عند أبيك وأمك!

أعاد الاهتمام إلى مختار، الكهل الأرمل المتقاعد، رغبته في التمسك بالحياة. لم تعد الحياة بالنسبة له عالـمًا خياليًا يصنعه لنفسه، بعد ما جفت حوله العلاقات وتوارى الأصدقاء. 

أيضًا، كان الاهتمام سببًا في عدول علي عن الانتحار، أو على الأقل تأخير القرار، ثم إزاحته بعيدًا عن محيط نظره وتفكيره، فمختار ينتظر مروره عليه، وتحول اتصال سلمى به، لمتابعة حالة أبيها؛ مختار، إلى خيط عاطفي رفيع. باختصار؛ أصبح هناك شيء يشعرك أن الآخرين ينتظرونك.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا فكر علي في الانتحار؟ تربى علي مع أبيه، بعد انفصاله عن أمه، وكطفل قرر مقاطعتها، لأنها – بحسب فهمه - الطرف الذي أصر على الطلاق. مرت سنوات طويلة قبل أن يلتقي بها ثانية، رسم خلالها ألف شخصية سوداوية لأمه، مما أثر على شخصيته، وحالته النفسية التي ازدادت سوءًا بعد وفاة أبيه في غيابه، وفشل علاقته الزوجية، ليقرر الانتحار في بيت الأسرة ويتدخل القدر في الوقت المناسب، ويجد نفسه لا شعوريًا يلقي بأفكاره بعيدًا ويحاول إنقاذ جاره المصاب بذبحة صدرية.

الفارق بين علي ومختار أن كليهما كان يسعى للنهاية بطريقة مختلفة، عليّ بقرار مباشر، ومختار بصمتٍ واستسلام. ومع ذلك، أعاد كلاهما التمسك بخيط الحياة، ورأى دنياه بنظارة جديدة.

التمسك بالحياة غَيَّرَ مقاس النظارة التي ينظر بها كل منهما إلى دنياه، ربما تكون الكثير من أحلامهما صغيرة، لكنها مهمة لهما. تمنى مختار التزلج على الرمال في الصحراء، حلم قد يراه الآخرون تافهًا، لكن قيمته عنده كبيرة، لأنه ببساطة يمنحه سعادة، يعيد له شغفه بالمغامرة والتحدي، تأثرًا بعمله كقبطان بحري لسنوات طويلة قبل تقاعده، وربما رغبة دفينة للّعب، واستعادة نزق الشباب، أو أي سبب آخر.

أما علي، فقد وجد في استعادة أمه وأسرته ما يكفي لإعادة بناء ذاته، اكتشف أنه وضع فروضًا خاطئة، وأن أمه لم تنقطع عن متابعته، حتى أخته من أمه، كانت تعرفه جيدًا وتعرف كل تفاصيل حياته، حكت لها أمها عنه مرارًا وهما يشاهدان صوره في مراحل العمر المختلفة، اكتشف أنه كان ضحية وهم صنعهُ بأوهامه وخيالاته، وحكم من خلاله على الآخرين.. ما أكثر أوهامنا المصطنعة!

مسلسل ناجح وأداء تمثيلي عفوي ومدهش، خصوصًا من أمير عيد الذي كسر صورته المحصورة في إطار المغني، وأثبت قدراته كممثل، ساعده في ذلك اقتراب شخصية علي من طبيعته.

الأحلام الصغيرة ليست عيبًا، العيب في أن نحكم عليها بمنظورنا نحن، وننسى أن لكل منا نوافذه الخاصة التي يُطل منها على العالم المحيط به، وينتج رأيه بنفسه.

أيضًا، الاهتمام ليس أمرًا بسيطًا، إنه رسالة تبعث بها إلى الشخص الآخر تخبره فيها، أنه ليس وحده، وأن هناك آخرين ينتظرونه، ربما بعد يوم عمل شاق، وربما بعد سفرة طويلة بحثًا عن رزق الله في بلاد الله.. 

أحلامنا بسيطة.. والاهتمام يمنحها حياة ويكسبها قيمة مضاعفة!
--------------------
بقلم: 
د. محمد مصطفى الخياط
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

بيانو وثلاثة موسيقيين