ظننا أن الدولة المصرية استكانت إلى السلام البارد ، وأن عقيدة جيشنا لم تعد تعتبر ان" اسرائيل " هي العدو الذي تربى علي قتاله .
اختلفنا حول الأولويات والطائرة والقصور الفخمة وبيع الأصول ولكننا نتفق الآن على العدو .
الخلاف لايعني القطيعة أو نزع الوطنية ، في المقابل لا يجوز ان يكون الخلاف المعلن سببا في "حدفنا" وراء الشمس!
لن يحمي المصريون ظهر الرئيس ونظامه ، إذا كان صوتهم مبحوحًا مختنقًا أو مبللًا بالدموع .
تنقصنا المعلومات عن أسرار الدولة وقدرتها على المواجهة.. تصورناها "منبطحة"ولكنها ولدت فتية عفية في القمة .
اميركا وأوروبا وعدونا الصهيوني لن يترددوا في تأليب العالم ضدنا.. انتبهوا فواجبنا إدراك حقيقة اللحظة الراهنة .
سيستعدون علينا الجميع ، وسيلعبون على أحبال ترامب المتهتكة عالميا وضميريًا ، وعلى أوروبا المنكفئة على الأحذية الاميركية ، كل هذا الآن تحت أقدامنا .
صفحة جديدة تفتح مع الرئيس عبد الفتاح السيسي ، بعد أن مدّ سيادته يده ، وبسطها كل البسط !
من حقه علينا الآن أن نحمي ظهره ، وأن نبدي تأييدنا له بوضوح ومن دون مواربة ، ففي قمة قطر أظهر معدنه الأصيل الحقيقي ، وولدت زعامته كاملة .. وبدى جليًا أن اليوم وغدا وبعد غد ليسوا كالأمس على الإطلاق . مصر الجديدة المختلفة عن الأمس وجب أن تكون في أقصى درجات التأهب والاستعداد ، ليس لشن العدوان ، ولا للقيام بالحرب ، وإنما لردع أي مغامر .
عقيدة المثقفين والمبدعين والمفكرين تختلف عن عقيدة النظم الحاكمة ، خاصة التي يغلب عليها الطابع العسكري . التباين والاختلاف - المعتاد - هذا لايمارس لأجل الخلاف بحد ذاته، وليس فقط لأن غالبيتنا يؤمنون بصحة مقولة " المثقف دائما على يسار السلطة "، وإنما لأن نظرة المثقف والمبدع للأمور تختلف حتما عن الرجل العسكري ..عن رجل المخابرات والأمن .. فالأخير طبيعته التكتم والحذر ، والاحتفاظ بالمعلومات للوقت الذي يحتاجها فيه ، و فيما يتعلق بالأمن القومي للبلاد لاشك انه يعرف أكثر .
يتكتم العسكريون والأمنيون والجنرالات بصفة عامة على الاسرار والمعلومات ،و عندما تحدث أشياء معينة فإنها قد تسبب الاستياء العارم عند من لايعرف . نرى ونسمع في بلدنا معلومات ، ونقرأ تصريحات ونشاهد أحداثا مروِّعًة واغتيالات وحروب إبادة ، وعندما لا يواجه الحاكم مايجري - خصوصًا إذا كان يهدد الأمن القومي للوطن ، وكلنا نعرف الآن محددات الأمن كما نعرف ماهية التهديد - فإننا نسمي هذه اللا مواجهة انبطاحًا .. وندين مواقف القيادة ، مع أنها قد - بل بالفعل- تعرف أكثر !
اختلفنا ومازلنا حول الأولويات ، الطائرة الرئاسية ومقاتلات الرافال - قليلة الحيلة مقارنة بالسوخوي والميج ٢٩ و٣٥ - والقصور الرئاسية والرخام الذي أفرط البناؤون في استعماله في تزيين جدرانها ، واختلفنا وما زلنا حول بيع مصانع القطاع العام وشركاته بأثمان بخسة دون حوار اقتصادي يرى حقائق الأمور و مصالح البلاد، وهل من الأجدى البيع أم الإصلاح والتطوير ، وهل إذا بعنا فإن ثمن الأصول مقدر تقديرًا كاملًا ، أم على طريقة بيع عمر أفندي " المشينة " في عصور غابرة .. اختلفنا في هذا وغيره ، وتلك لم تكن مجرد جدال مثقفين لا يمتلكون خبرات ولا رؤى مدروسة ، وإنما كان من بين هؤلاء و في القلب منهم متخصصون ، ينتقدون البيع ويعدّدون مخاطره وينظمون حملات رفض شعبية ضده ، من دون ان يسمع لهم أحد ! هذه أصول يملكها الشعب ، ولابد من استئذانه في بيعها بشفافية مطلقة ، احترامًا لمقدراته ، خاصة وأنه يصنف كشعب فقير قليل الموارد .
اختلفنا حول الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وتغييبها ، والانتخابات الشكلية وجدواها وتأثيرها السيء على الوعى الجمعي المصري ، وحول الاستيراد للسلع الاستفزازية بالعملة الصعبة ، وحول بيع أصول مملوكة للدولة ، في كل مكان ، وستختلف اكثر إذا ما "هَوَّبَ" أحدهم ناحية وسط البلد ، يبيع فيها ويشتري ، يهدم ويشيد بنايات اخري من زجاج أو ناطحات من ورق ، بغية الاستثمار ، لكننا لن نختلف أبدًا مع الرئيس على "العدو" . الخلاف السابق لم يعني القطيعة أو يثمر فقدان الإنتماء أو يصم فريقا بانه منزوع الوطنية ، في المقابل لا يجوز ان يكون الخلاف" المعلن" سببا في تغييبنا في غياهب السجون او "حدفنا" وراء الشمس!
لن يحمي المصريون ظهر الرئيس ونظامه ، إذا كان صوتهم مبحوحا مختنقا مبللا بالدموع.المعارض يشد ازر المفاوض وهذه بلدنا ، قد يخطيء في التقدير سياسي كحمدين صباحي أو محمد البرادعي ، فيرى كلاهما أن الاخوان فصيل وطني وأنه يجب التحاور معه .. هذا حقه وإن كان واجبنا كمثقفين تفنيده - بل ورفضه ممن يرفضون ذلك بشدة وأنا أحدهم - وبذل الجهود المضنية في إثبات خطأ رؤيته . اعتقال صاحب الرأي وعقابه بركله داخل السجن ، فإما يتعفن أو يموت - كما قرأنا في تصريحات لأحد المسئولين السابقين - لأيكون عنوانًا للرئيس .. الزعيم المولود من رحم الجحيم الذي يجتاح العالم اليوم !
حيوية هذا البلد أن يكتب جودة عبد الخالق رأيا فيناظره من يستطيع من جانب السلطة ، وان يتجاوز فاروق عبد الخالق في تفسيراته الاقتصادية ، فلابأس من مناظرته هو الآخر وإفحامه .. وأن تعنون صحيفة تقاريرها منتقدة كبار المسؤولين ، فلايتم ملاحقتها بالقوانين المقيدة لحرية الصحافة . هذه هي حيوية البلد التي تحافظ على تماسك الحكم وتزيد شعبيته .. أما اعتقال صحفيين وكتابا مثل سراج وصابر مثلا، وبعض المتظاهرين على سلم نقابة الصحفيين ، تضامنًا مع أهل غزة ، فلا يحقق الأهداف التي ننشدها في تقوية الجبهة الداخلية.
نختلف حول توزير وزراء أكفاء يليقون بمصر ويفهمون تاريخها ولا يجهلون خصائصها في التنوع والاختلاف والحضارة ، وهم الذين من تلقاء انفسهم يوضحون للقائد الذي في الميدان أن تاريخ طه حسين ويحيي حقي والمقابر الملكية وآثار مصر المملوكية وغيرها من معالم وملامح هذا البلد العريق ، لا يجب أن تمتد اليها يد الهدم مهما كان أمر الأزمة الاقتصادية ، والضائقة المالية التي نمر بها ، فالبلدان العريقة كمصر لا تبيع حضارتها من أجل حفنة دولارات ، فإن لم يقل هذا وزير الثقافة ، يقوله وزير الآثار، يقوله وزير الخارجية .
نختلف حول الأولويات ، ولا نتحدث حول التسليح وشراء الطائرات ، المقاتلة والرئاسية ، فقد لانعرف أنها مجهزة بما يحمي ويصون الرئيس ، ومن هنا علينا أن ننتظر اليوم الذي يصارحنا فيه الحاكم بكل شيء .هذا الشعب يجب أن يُقَدر ويحترم لا أن يهان ويتم تجاهله ، لأن السلطة تحاول ان تضمن له واولاده مأكلاً ومشربا.. وهذا هو المتاح الآن ، بعد أن ضاقت السبل وأحكمت الحلقات خناقها حول البسطاء.
اليوم وغدًا وبعد غد قال لنا الرجل المسؤول عن حياتنا وأمن وطننا أننا لسنا كذلك ، وأننا لانعرف الانبطاح ، لكنه الفرق بين السياسى ورجل الأمن والمبدع والمثقف .ليس من حقنا ان نقرأ في سجلات المخابرات أسرارنا ولا يمكن إذاعة التقارير والملفات التي يجري إعدادها تباعًا ، وبالتالي لايمكننا في غياب المعلومات أن نكون سعداء بأن تكون لغتنا- واحنا دولة كبيرة - في مواجهة مايجري "عادية" مثل بقية الدول الصغيرة .لكن من ناحية أخرى فنحن لم نكن نريدها عدوانية . العدوانية تعني المواجهة والمواجهة تعني الحرب ، والحرب تحتاج إلى مليارات الدولارات مع كل طلعة شمس، وجسر سلاح يمتد إلى مصانع كل الدول المنتجة للسلاح ، واستعدادًا تامًا لتوفير المؤن والغذاء والدواء . الحروب اليوم ليست نزهه ، خاصة في زمان الصورايخ فيه تطلق عن بعد وبالأقمار الذكية، وبقنابل تخترق الحصون المدرعة وبطائرات مسيرة ، وما أدراكم ما هذه الطائرات المسيرة .. وعالم لا ينخفض فيه سقف الشرف ، فالأوروبيون يمكنهم بيع زيلينسكي إذا وجدوا ضالتهم في بوتين نفسه ، والأميركيون ربما يسقطون نتانياهو إذ استنفد فرصه وأوشك على النهاية والمحكمة الدولية ومجلس الأمن الدولي أصبحوا ألعوبة في يد القوة الأعظم في العالم .
الرئيس عبد الفتاح السيسى وصف الكيان الصهيوني المحتل ب"العدو"، وذلك فى كلمته أمام مؤتمر القمة العربى الاسلامى فى قطر . تصريح غير مسبوق في الخطاب الرسمي المصري منذ عقود، وقال الرئيس السيسي نصًا : "يجب أن نُغيّر من نظرة العدو نحونا، ليرى أن أي دولة عربية، مساحتها ممتدة من المحيط إلى الخليج، ومظلتها متسعة لكل الدول الإسلامية والدول المحبة للسلام". وأضاف: "ولكي تتغير هذه النظرة، فإن الأمر يتطلب قرارات وتوصيات قوية، والعمل على تنفيذها بإخلاص ونية صادقة، حتى يرتدع كل باغٍ ويتحسب كل مغامر !
شكرًا سيادة الرئيس ، هذه المرة الأولى التي تذكرنا فيها بأن هذا كيان معادي لنا ولأمتنا كلها، وكنا نظن أن الدولة المصرية استكانت إلى السلام البارد مع دولة الكيان ، وأن عقيدة جيشنا لم تعد تعتبر ان" اسرائيل " هي العدو الذي تربى علي قتاله جيشنا المصر البطل .
كلنا الآن خلف الرئيس ، ومعه في مواجهة عدو ، لم يعدم الأكاذيب والتلفيق وإرهاب المجتمع الدولي ، ولا يعدم الحديث عن استعداد مصر للحرب وحشد القوات في سيناء وأننا ننتهك اتفاقية السلام ، وقد بدأت الشائعات تتسرب عن أن ١٠٠ مسيرة عبرت من سيناء إلى "الكيان " ، وإن الرئيس السيسى يوجه بتوفير مخزون استراتيجى آمن ومطمئن من السلع الأساسية يكفى احتياجاتنا .
سيحاولون بكل الطرق تأليب العالم علينا ، وعلى الزعيم الذي كان ميلاده الثاني الحقيقي في ٢٠٢٥ ، وذلك في بلد هو بالأساس لم يكن صديقًا لمصر منذ ٢٠١٣ ، وإنما كان ومازال غير ذلك ، بفقاعاته الإعلاميه ، وصواريخه الكلامية . سيستعدون علينا الجميع ، وسيلعبون على أحبال ترامب المتهتكة عالميا وضميريًا ، وعلى أوروبا المنكفئة على الأحذية الاميركية ، ولكن كل هذا الآن تحت أقدامنا ، ونحن في ظهر رئيسنا الزعيم عبد الفتاح السيسي..فالأيام القادمة حبلى بالكثير .
-------------------------------------
بقلم : محمود الشربيني