لا شك أن الضربة الجوية الاسرائلية بموافقة ومساندة أمريكية لقطر . أكدت بما لا يدع مجالا لأى شك أن السياسة الخارجية للدولة المصرية العميقة هى سياسة نابعة من مصر الحضارة بنت جفرافيتها وصانعة تاريخها . تلك السياسة التى تجسدت كثيرا على مدى التاريخ المصرى مؤكدة أن دور مصر التاريخى فى المنطقة هو إحداث التوازن والحفاظ على الاستقلال من كل صنوف الاستعمار على مدى التاريخ. وهذا الذى جعل الاستعمار وأذنابه حتى الآن يحاربون فكر ومنهج عبد الناصر التحررى بالرغم من مرور أكثر من نصف قرن على وفاته. والضربة لقطر أكدت أنه لا أمن ولا أمان لأى دولة غير القوة والتلاحم الشعبى الذى يحافظ على استقلال القرار، وبالتالى استقلال الوطن . كما أن اختيار قطر هو رسالة واضحة وضوح الشمس للحميع تقول لا علاقات ولا توافقات ولا ائتلافات ولا تفاهمات لأمريكا مع دول المنطقة غير تحقيق المصلحة الاسرائيلية التى تحقق مصالح الغرب فى المنطقة بشكل عام. ضربة قطر غيرت كل الموازين فى المنطقة، بل جعلت كل التحليلات السياسية التقليدية قد مضى عهدها وزال زمنها . وهذا يعنى أن كل المواجهات والتوازنات التقليدية لا مكان لها الآن . فهل وعى العرب والأنظمة العربية تلك المتغيرات الاستراتيجية؟
الجميع تمنى أن تعى الأنظمة العربية تلك المتغيرات، ولكن للاسف ماذا تم؟ هنا لابد لنا من رصد بعض النقاط حتى يمكن أن تتجمع صورة ما تدلل على هذا الواقع العربى المتردى!
** حدثت نفرة عربية وإسلامية تحت شعار مساندة قطر ورفض ما تم ضدها. جميل. تم دعوة الدول الإسلامية مع العربية والجميع يعلم صورية وشكلية تلك الدعوة التى لا تسمن ولا تغنى من جوع. بل إن تلك الدعوة أكدت الانسياق الخاطئ للأنظمة العربية وراء تديين القضية، ذلك التديين الذى لن يستفيد منه عمليا غير الدولة الصهيونية . تلك الدولة التى تعمل جاهدة على أن يصطف وراءها الغرب تحت شعار (الصهيونية المسيحية). مع العلم أن القضية الفلسطينية هى قضية تحرر وطنى تهم العالم الحر.
* تمت القمة والمحصلة النهائية لا جديد غير الشجب والاستنكار، والتوسل للعالم أن يتدخل ويوقف الإبادة البشرية غير المقبولة فى غزة! والتوسل لمن؟ لأمريكا التى تساند الإبادة وتتحدى العالم فى تلك المساندة، فى الوقت الذى تبتز فيه الأنظمة العربية ماليا وسياسيا خاصة دول الخليج وعلى رأسها قطر!
* وصل التبجح والاستفزاز أنه قبل انعقاد القمة بساعات قليلة يتم عقد مؤتمر صحفى بين نتنياهو ووزير الخارجية الأمريكى أعلنا فيه الموقف بكل وضوح وغطرسة وتبجح !!! معلنين جهارا نهارا: امريكا تساند اسرائيل فى كل ما تريد أن تفعله. أمريكا ترفض وتصر على رفض أى اعتراف بدولة فلسطينية. أمريكا ستنفذ المشروع العقارى وتحويل غزة إلى متجع أمريكى. القضاء على حماس ...الخ
وهذه كانت رسائل موجه للقمة قبل انعقادها بساعات قلائل!
* قطر تلك الدولة التى تلعب على كل الحبال وتساند كل التنظيمات الرافضة للدولة الوطنية. قطر التى ضربت من اسرائيل بمباركة أمريكية يذهب رئيس وزرائها إلى أمريكا قبل القمة وتقوم بما يسمى تجديد معاهدة الدفاع مع أمريكا ثانى يوم القمة!! فهل هناك مهازل أكثر من تلك التناقضات المهينة التى لا علاقة لها بأى خط سياسى واضح يجمع أهل القمة العربية والإسلامية. ناهيك عن غياب اكبر الدول الخليجية المرتبطة عضويا بأمريكا واسرائيل. فلم يحضر رؤساء السعودية والإمارات والكويت والبحرين!!
* هذه هى صورة مجملة ومخزية للواقع العربى والاسلامى فى الوقت الذى تقوم فيه الآلة الاسرائيلية الأمريكية بإبادة الشعب الفلسطينى والقضاء على القضية الفلسطينية.
هنا نأتى لمصر. وبعيدا عن ملامح لشوفينية مصرية نقول: أن كلمة مصر هى الكلمة الوحيدة التى عبرت اولا عن السياسة الخارجية المصرية للدولة العميقة التى تشكلت مصريا قبل التاريخ بتاريخ. كما أن السيسى فى هذه الكلمة قد عبر عن الشعور المصرى الاصيل الذى تجاوز ما يسمى بمعاهدة السلام مع إسرائيل التى لا ولم تعرف السلام طوال التاريخ. نعم هذه هى مصر وهذا قدرها التاريخى الذى لم تتوان لحظة واحدة فى تحمله وفى دفع الثمن. نعم مصر لن تتنازل عن استقلالها وعن أمنها وسلامة أراضيها. ولكن فليعلم الجميع بعد رسالة قطر أنكم لن تكونوا فى مأمن أبدا مهما دفعتم من إتاوات وخضعتم لإملاءات، فلا مال يحمى غير التوافق العربى الحقيقى الذى يفعل كل القدرات العربية وعلى كل المستويات، حتى يشعر العالم أن العرب لا زالوا فى عداد الاحياء وليس فى عداد الاموات ونذكركم برفضكم لمبادرة السيسى بتشكيل قوة عسكرية عام ٢٠١٥. وقد أعذر من أنذر. حمى الله مصر وشعبها العظيم والأصيل.
-------------------------------
بقلم: جمال أسعد