18 - 09 - 2025

الطبقة العاملة ليست عبيدًا

الطبقة العاملة ليست عبيدًا

الوقت لم يعد يحتمل خطابات ناعمة ولا عبارات مطاطة ولا مصطلحات سياسية تُخدّر الرأي العام العامل المصري اليوم لم يعد مواطنًا من الدرجة الثانية بل صار بلا درجة ولا وزن ولا صوت تُصدر قرارات ويُرفع الحد الأدنى للأجور على الورق فقط ويُصفق لها الإعلام بينما ملايين من العمال في كل شبر من هذا الوطن لا تصل إليهم جنيهات الحد الأدنى ولا يرون شيئًا من تلك الأرقام التي تُنثر في نشرات الأخبار

في القطاع الحكومي نعم تم إعلان حد أدنى سبعة آلاف جنيه ولكن الحقيقة التي لا يجرؤ كثيرون على ذكرها أن هذا لا يشمل الملايين من أبناء الشعب العامل في القطاع الخاص والاقتصاد غير الرسمي والمشروعات المؤقتة وأعمال اليومية هؤلاء من يفتحون الورش ويقفون على خطوط الإنتاج ويشقون الأرض ويحمّلون السيارات ويعملون بالموانئ والمخابز والمزارع والمصانع الصغيرة كل هؤلاء لا يغطيهم القانون ولا ترعاهم دولة ولا يضمنهم إعلام ولا يشعر بهم أحد

العامل المصري اليوم يعمل عشر ساعات وربما أكثر دون تأمين دون علاج دون حماية قانونية ويخرج من يومه بجسم مرهق وعين مفتوحة على أسعار تنفجر كل أسبوع وهو مازال يتقاضى أجورًا أقل مما يُنفقه طفل في مدرسة خاصة هذا هو الواقع وليس ما يُقال في المؤتمرات العامل يتألم بصمت ويتنازل عن حقه لأنه مهدد بالفصل لأنه يخشى على أولاده لأنه لا يملك البديل العامل يعيش في خطر دائم على لقمة عيشه على جسده على سمعته على كرامته بل على حياته

ونأتي للمرأة العاملة التي لا تجد من يحميها لا قانون صارم يردع من يتحرش بها ولا بيئة عمل تراعي وضعها ولا أجر يعكس ما تبذله ولا أمن وظيفي يضمن مستقبلها بل وتُضغط لتصمت وإذا رفضت الظلم تُتهم بالتقصير وإذا تكلمت لا تجد من يسمعها وإن اشتكت لا يُصدقها أحد المرأة العاملة تُهان في صمت وتُستغل تحت غطاء الحاجة وتُقصى من الترقّي لأنها أنثى ثم يُحدثونك عن التمكين وأي تمكين هذا إن كانت غير آمنة في عملها ولا مطمئنة في راتبها ولا محفوظة الكرامة

نحن لا نحارب دولة بل نحذر من دولة تغفل عن أهم دعائمها نذكّر الجميع بأن هذا الوطن لن يُبنى على حساب من يبنيه ولن ينهض على أنقاض من يُحرك عجلة إنتاجه ولن يستقر في ظل هذا الجرح المفتوح العامل ليس مجرد ترس العامل هو المحرك وإن توقف المحرك توقفت الدولة وإذا كسرنا العامل كسرنا مستقبل الوطن

منذ متى كانت مصر تصنع حضارتها من فوق المكاتب مصر دائمًا كانت تُبنى من تحت أنامل الحرفيين وظهور الفلاحين وسواعد العمال وكلما تجاهلتهم السلطة سقط كل شيء العامل ليس متسولًا ولا عبئًا العامل لا ينتظر منة بل ينتظر عدالة ينتظر تطبيق قانون ينتظر دولة عادلة لا تسمح أن يُهان أو يُجرد من أجره أو يُلقى خارج المصنع كما تُلقى النفايات

ما يحدث اليوم ليس خللًا بل إهانة ممنهجة لمكانة العامل الدولة ترفع الأسعار وتطالب العامل بالصبر وتخفض الجنيه وتطلب منه التحمل وتُبرر فشل السياسات الاقتصادية على حساب الطبقة العاملة لا أحد يُراجع نفسه لا أحد يُقر بالفشل لا أحد يتحمل المسؤولية والضحية هو نفس الشخص الذي ينهض كل صباح ليُشغل ماكينة أو يحرث أرضًا أو يحمل بضائع أو ينظف شارعًا أو يربّي أطفالًا بأجر هزيل وبأمل أضعف

ليس من العدل أن يُهان العامل ويُصفق للفاسدين ليس من العدل أن يُستعبد العامل بعقد لا يحميه ولا يضمن له شيئًا ليس من العدل أن يتحكم أصحاب الأعمال في مصير الناس وكأنهم آلهة تُقرر من يعيش ومن يُفصل ومن يُهان ومن يُكافأ

العامل يريد أجرًا يتماشى مع الأسعار الحقيقية لا أرقامًا تُكتب على الورق وتُخصم منها الضرائب والخصومات حتى لا يبقى منها شيء العامل يريد قانون عمل يُطبق لا يُخترق حماية نقابية لا صورية تأمين صحي لا إذلال بيئة عمل إنسانية لا عسكرية دولة تستمع لصوته لا تكتمه هذا العامل هو من صنع قناة السويس وبنى السد العالي وزرع الأرض وحمى الحدود وساهم في كل حرب وكل نصر وكل أزمة مرت بها مصر لكنه اليوم يُعامل كأنه عبء كأن مكانه تحت لا فوق كأن هذا الوطن ليس وطنه وكأن التضحية باتت حكرًا على فئة واحدة

نحن لا نطلب من الدولة صدقة نحن نطلب أن تُعيد ترتيب أولوياتها نحن نطلب من الحكومة أن ترى مَن في الأرض لا مَن في الأبراج نطلب أن يتوقف الإعلام عن تلميع الفشل وتجاهل صوت الناس نطلب أن تعود مصر إلى المصريين لا أن تبقى حكرًا على المستثمرين والمنتفعين

من لا يسمع صوت العامل سيسمع يومًا صوته غاضبًا من لا يحترم العامل لا يستحق أن يدير مؤسسة أو وزارة أو دولة العامل هو الكرامة هو الأمان هو أساس العدالة وهو جرس إنذار لكل نظام يتغافل عنه

نحن لن نصمت بعد اليوم لن نقبل بعد الآن أن تكون كرامة العامل قابلة للتفاوض أو المساومة لن نترك من ينتهك حقوق العامل دون فضح ولا من يستغل فقره دون مواجهة لن نسكت على نظام يطبّق القانون على الضعيف ويتجاهله مع القوي لن نخاف من قول الحق في وجه كل من يتجاهل ملايين من هذا الشعب يعيشون بلا كرامة ولا أمان

العامل في مصر هو قلب الدولة النابض وإذا توقف القلب توقف كل شيء.
---------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي

مقالات اخرى للكاتب

الطبقة العاملة ليست عبيدًا