منذ أن بدأ الرئيس السيسي ووزيره الأول مدبولي - أو ماد بولي كما يكتبها في بوستاته الجنرال علاء سويلم - العمل معا وهما متفاهمان ومتناغمان تماما ! رؤيتهما الموحدة تقول: "متصدقوش دموع تماسيح المصريين". لذلك لم يعد الرئيس السيسي أبدا إلى خطابه العاطفي "متعرفوش أنكم نور عنينا ولا إيه".. فلم يكرر الكلمة أبدًا ، ولم يجر أحاديثا أخري من نوعية أصبروا علينا ستة اشهر. ومصر "هتبقى أدّ الدنيا"! لم يعد هناك شيء يدفع الرئيس والحكومة إلى الحديث عن الغلابة والفقراء والآكلين من صناديق القمامة. لا يعد أحد يبحث عن عنق زجاجة ليوهمنا بأننا نعمل جاهدين حتى نخرج منه .. لم يعد مثل هذا الأمر مهمًا أبدا . لم تعد جملة" رفع المعاناة عن الجماهير" مستخدمة أبدا ، وإنما راحت في " الوبا" مثلما ذهبت إلى غير رجعة جملة الدبلوماسي البشوش عصمت عبد المجيد: الدعوة إلى ضبط النفس" ؟!
هل كشف المصريون عن خبثهم وأنهم يضعون جنيهاتهم ودولاراتهم وكل عملاتهم الصعبة تحت البلاطة ، ولم يخرجوها يوما إلا لأجل عينيه، عندما أخذتهم الجلالة والوطنية ، فقدموا للسيسي ٦٤ مليار جنيه في أسبوعين فقط ، لشق مجرى جديد في قناة السويس ، قال بنفسه مفسرا ماحدث وأسبابه قائلا " كنت عاوز ارفع الروح المعنوية للمصريين"!!
ما الذي جري؟ هل أخطأ الناس وبلعوا الطعم، فكشفوا عن أنهم يدّعُون الفقر، في حين أنهم يدفنون "الفلوس الكتيرة "تحت البلاطة ؟ فكيف عرفت الدولة أن جميع المصريين مساهمون في الـ ٦٤مليار جنيه، وليس فئة النصف في المائة فقط المعتادة والمعروفة منذ عهد الملك الغابر وسنينه السوداء ، المليانه بالحفاء والطاعون والكوليرا والسخرة والفقر والجهل والمرض (من دون اعتذار للسفهاء الذين استفادوا من ثورة يوليو، وانتقلوا من الحفاء إلى إنتعال الشباشب اولاً ثم الجزم الأجلاسيه، ثم انقلبوا على عبد الناصر يلعنونه ويلعنون ثورته ، من فوق منابر التدريس في الجامعات، ومن داخل معامل ومختبرات الصحة التي برعوا فيها كعلماء ، ومن قلب غرف العمليات بعد ان أصبحوا جراحين يتقاضون العشرات فالمئات فالآلاف من الجنيهات في قصة بطن واحدة لمريض!)
لم يعد مجتمع الفقراء هاجسًا مخيفا لأحد في هذا البلد، رغم عشرات الأصوات التي صرخت بالتحذير من ثورة جياع مقبلة ، لم تهتم السلطة مطلقا بهذه التحذيرات ، من مفكرين وسياسيين وأدباء وشعراء ، فقد كانت أكثر واقعية منهم ، فالبلاطات المصرية كثيرة وتحتها تنام وترقد وتتمدد فلوس كثيرة ،وربما تفقس أيضا !
يبدو أن السلطة فهمت "الفولة "، وعرفت "اللي فيها "، وبالتالي لم يعد يشغلها مرور من عنق زجاجة ، او رفع معاناة عن الفقراء ومحدودي الدخل ، وراحت تمعن في إيذاء الناس ، برفع أسعار الخبز والبنزين والسولار والكهرباء والغاز والدواء ، واء واء واء، ولو "مأمأ " الناس ما انتبهت ولا أوقفت بناء كوبري ولا طريق ولا محور ، سواء كانوا يستخدم بكثافه ومطلوب تشييده أو شقه فعلا، او يستخدمه " عشر أنفار" من رواد الساحل الشرير ، الذين لا يهتمون حتي بسعر الجنيه ، وإنما يفكرون في أسعار الدولار والأراضي وفلل راس الحكمة وساحلنا الشرير جدًا!
هذا هو التفسير الوحيد، لان السلطة لم تعد تعبأ بأي جوع يجوعه الناس، ولا يؤلمها او يهز مشاعرها استغناء الناس عن الدواء ، ولا ارتفاع مصاريف الدراسة في المراحل التعليمية المختلفة، عرفت "الفولة" وإن الناس فلوسها كتير تحت البلاطة ، فلم يتكلمون عن تكاليف الفطار لأسرة مكونة من ستة أنفار ، وكيف يدبر رب الأسرة مائتي جنيه مع كل طلعة شمس ليفطر أولاده فقط ، وليس تناول الطعام لبقية اليوم ، فهذا الكلام ليس له أي اعتبار .. هذا هذا ليس مهما، فهم قادرون من جديد تحت آي ذرائع وأي شعارات إعلامية كاذبة ، يروجها من يتلقون أناشيد وأغاني وإنجازات الحكومة، سيتحملون زيادات اخري متتابعة في البنزين والكهرباء والغاز والماء (بيقولك لارتفاع تكاليف الصيانة؟!)
ألا ترتفع آبدا أبدا أبدا بنفس القدر كلفة تآكل مرتبات العاملين بالدولة؟ ألا تسألون أنفسكم من أين يأتي الناس بالأموال لسداد الإنفاق غير المسبوق الذي تورطوا فيه بسبب مليارات الجنيهات التي رميت في الأرض ، كخرسانات مسلحة لأجل قطارات كهربائية ومونوريل ليست من أحلام المصريين اليوم، مقارنة بأحلام الطعام والدواء والكساء والإسكان؟ من أين عرفتم بأن الناس ستستطيع تدبير أمورها بأي شكل، فأصررتم بشكل عجيب وغريب على إشغالهم بأنفسهم، وحتى يعملوا (اللالي) لمواجهة أعباء الحياة؟ وماهو "اللالي" هذا.. نفسنا نعرفه ؟ هل هو الشغل رقاصة أو طبالا بعد انتهاء أوقات العمل الرسمية ؟ أم فتح الدرج كل في محله، فـ"تتعشي" وتبقى "الآشية "معدن ؟
لست ادري بالفعل كيف ينظر لمواطنيه السيد ماد بولي - لابأس من اعتماد لغة الجنرال سويلم ، فأنا أقدّر الجنرالات من طراز هذا الرجل (ومنهم الفريق فوزي والمشير الجمسي وأبو غزالة وسعد الدين الشاذلي وباقى ذكي والجنود من طراز محمد افندي، رفعنا العلم وذلك الرجل الفذ الذي أوقع في كمينه عددا من الصهاينة كانوا يتمخترون عند راس العش، فأجهز عليهم وروي القصة جندي صهيوني) نعم كيف وبأي عين ينظر لمواطنيه؟ لا أظن أبدا انه قرا تاريخ رؤساء الوزارات الذين أرهقوا الشعب بالرسوم ولم يعملوا أبدا على تنمية دخل الدولة وزيادة مواردها، لتحسين حال الشعب ! لم يحدث أن امتلك ماد بولي الشجاعة أو الرغبة فخرج على الناس ليلقي بيان الحكومة ولو على منبر مجلس نواب نائم منوَّم ، "لا بيهشّ ولا بينش"، اللهم إلا بعض قليل من نوعيات نواب يجاهرون بالحق ويلسعون ظهر الحكومة بكشف اخطائها الفادحة، ببلاغة وبيان .كم مرة تقدم بميزانية حكومة للنقاش البرلماني، وكم مرة سمح لوزير بالإدلاء ببيان عن أي قضية تتعلق بوزارته أصبحت قضية رآي عام!
لا أظن أن كلماتي موجعة بما يكفي ، أظن ان آلام الناس أكثر وجعًا.. الست أميرة التي تبذل كل جهدها وهي ترعي أولادي وبيتنا، لو تكلمت - أو عرفت كيف تكتب مقالًا - لأوجعت أكثر مني. مرٌ طعم الحياة في فمها، فهي منكوبة مرتين، مرة لأنها اسم على غير مسمي، ومرة لأنها رغم راتبها الشهري الذي يفوق الحد الاقصي من مرتب موظفي الحكومة لا تستطيع تلبية احتياجات أولادها أبدا، وكم عمر الوجع عندك ياأميرة؟ آه لو أنك استرسلت في ذكر أوجاعك ونقلتها أنا بدلا منك للناس، كيف سينزف قلبك دما بينما رئيس الوزراء يعلنها صريحة أن الشهر المقبل سيشهد زيادات جديدة في الأسعار!!
من أين يدفع الناس .. ومنين تجيب أميرة فلوسا حتى تدفع؟
الإجابة فورا عند السلطة: بلاطاتكم كتير.. طلعوا إللى دافنينه فيها سوا !
-------------------------------
بقلم: محمود الشربيني