مقارنة بما يحدث في دول الخليج .. هذا عيب !
شعور عارم بالإهانة .. والإدانة والغضب ، يتملك الغيورين على مصر .. الحضارة والثقافة والتاريخ ..بسبب استمرار هذا الفعل القبيح !
كيف لم نتوقف أبدا لنسأل أنفسنا : لماذا نستمر في ارتكاب هذه الأفعال طوال هذه السنوات ، من دون دراسة او تفكير ، سواء من سلطات الدولة أو المختصين او حتى المجتمع ألذي يبدو أنه يُعْرِّضُ يأسًا عن الانخراط في هذا الملف المشين ؟
لنعترف أننا لم نقم بعمل أي شيء ، أي شيء ، في سبيل الوصول إلى لحظة تحضر ، بدلا من تصرف الهمج الذي يرتكب في المحروسة .. هي هنا ليست محروسة بالمرة ، فالغضب الذي يسطع مع لعلعة هذا الفعل القبيح وتداعياته بالصورة والكلمة على الميديا ، يقطع يقينا بأنه لا أحد محروس هنا في هذه اللحظة !
لن يكون غريبا أن ترى سيدة جميلة - أو تبدو كذلك -يمكن أن تتحسس "أبو وردة" ذو الكعب الخشبي العالي ، وتخلعه من رجليها الجميلتين ، وترفعه في وجه أي إنسان بلا تردد أو تخوف ، مغلقة باب الأنوثة والجمال والرقة إغلاقًا تامًا ، فالكلمة في مثل هذه اللحظة التي نتكلم عنها ، هي للسان الطويل والصوت العالي والردح" إللي على اصوله "! تخيلوا "رداحة " مع أنها قد تكون خرجت للتو من تحت إيدي الكوافير - وربما الماشطة لاأحد يعلم بالضبط - ومهما يكن من أمر فالفعل الذي قد يصدر عنها يذكرنا حتما بالمثل الشعبي العامي "وإيش تعمل الماشطة في الوش العكر" ..معكر عن عمد بالأفعال القبيحة !
من خالعة أبو وردة الخشبي بكل مافيه من قسوة لا تليق بامرأة ، إلى حامل الشومة ، أو المفك الطويل ، أو " الكلابظات " أو ماعداها بحسب مايملكه من قوة بدنية ، مدججة بعلاقات وروابط إجتماعية ، وبالقدرة الشرائية أيضا، فقد يحمل طبنجة حلوان أو كلاش عوزي .. صحيح أن سيخ حديد أو مفتاح عجل يمكن أن يفي بالغرض ، فقد شاهد الناس نسخة رديئة من هذه النوعية مؤخرًا، وأعني به الرجل إياه ذو القميص الأخضر المشجر ، وقد تابعوه وهو ينزل من سيارته ، مروِّعًا قائد المركبة الذي خلفه ،! لماذا ؟ لأنه من وجهة نظره تجرأ و" خبطه" ! فكان ولابد أن يفزع لعقابه ، فنزل إليه شاهرًا مفكًا او مفتاح " مانفله" طويل و"تخين" ، وراح يهوي به على رأس أم زجاج سيارته ، ربما متخيلا أنه يهوي به على رأس الرجل نفسه ، مكيلا له في الوقت نفسه من قاموس شتائمه البذيئة "من المنقي خيار " كما يقولون !
الرجل غاضب جدا ، ورغم ملابسه التي توحي أنه ذاهب إلى البحر أو ربما عائد منه ، إلا أنه وجه إليه اهانات عنصرية ، إعتبره فيها مجرد فلاح منوفي !،كما شاهد وسمع الناس الفيديو ! هل كان مكتوبًا على الجبين أن صاحبنا فلاح منوفي ؟ وهل الإمعان في التركيز على هذا الوصف يعني ان الرجل بحسب موطنه المفترض هو في أدني الدرجات من سلم " الِفلْح "؟ نوع من التنمر الشديد يمارسه البعض ، للنيل من اخرين قد يأتون بأفعال يريدون الإيحاء بأن سكان المناطق الراقية لا يأتون بها ! ربما عرف أنه منوفي من لوحة السيارة ، فقد تكون قديمة ولم تتغير ، وربما محافظة المنوفية لم تدرج بعد في إطار منظومة اللوحات الجديدة الغريبة التي يستخدمها جهاز المرور( مثلا : ع ط ويستهجنها الناس حينما تقع أعينهم عليها ، أو ق ع ر ، أو ه ط ل أو ماشابه ذلك من حروف غريبة !
مشهد صادم .. مريع .. مقبض .. متكرر على امتداد السنين ، لم تعبأ اجهزة مرورية متتالية بالنظر فيه ، ولا حاولت القضاء عليه ، بتحسين الإمكانيات لديها ، ودراسة ردود أفعال المتصادمين وظروف اشتباكهم مع بعضهم بطريقة مخزية ، بما يفرض الاهتمام بالظاهرة العامة ، وإعداد نوعية معينة من شرطة المرور، تمتلك الخبرة والقدرة والدراية على فك اشتباك "المتصادمين" وتحويلهم إلى محكمة المرور ، وشركات التأمين، وهما الجهتان الوحيدتان التي تخول بالتحقيق في مثل هذه المخالفات، التي من دون شك لاشك تحدث في أي مكان بالعالم .
بكل اسف يتعامل الناس مع الحوادث بشكل شخصي جدا ، وكأنه اعتداء بالضرب أو الإهانة يجب رده بأقصي مايملك الشخص من قوة مفرطة . لانعترف بغير هذا في مصر ، وبلا نقاش أو تردد نشرع في رد الإهانة المفترضة ، كأن شخصا صفع أخر بالقلم على وجهه او قفاه ، أو ألقى احدهم على آخر ب" ميه وسخه" لوثت قميصه الناصع البياض ! نحن إذا اصطدمنا ببعضنا نتخيل بسرعة البرق أنه لا وجود للشرطة ولا لمن يترجم الاعتداء ايًا كان إلى مخالفة تعالج بالقانون ، وتحويل القضية لجهات الاختصاص . لا وجود في المخيلة ولا في الوعي الجمعي إلى ان الموضوع له أب وأم شرعيان ، وهما المحكمة وشركة التأمين ، وإنما نحن نثق أن الضرب هو الحل ، سواء كان ب " أبي ورده " أو بمفتاح ال " مانفله "، حتي لوكان الاصطدام مجرد لمسة خفيفة بين سيارتين ، فإنه لابديل عن تحولها إلى لمسة غضب!
ثقافة راسخة لا تمارس إلا في بلد الثقافة والتاريخ ، أما البلدان التي نتعامل معها بعنصرية ونغمزها من قناة البداوة - مع أن آثار بداوتها تراجعت أمام توالي دراسات مواطنيها في جامعات كامبريدج وهارفارد وغيرها - فإنها تتعامل مع مثل هذه الحوادث بوعي ورقي وتحضر .
مثلًا ..حادث يقع بين سيارتين في الكويت تكون له عدة أوجه .. فإما أن قائد سيارة من المتصادمين يلجأ إلى إبلاغ الشرطة وينتظرها مهما بلغ وقت الانتظار حتي يأتي المتخصص ، فيجري رسما كروكيا للحادث ، ثم يأخذ البيانات ويحيل الأمر للمختص بالموضوع في مخفر الشرطة، حيث يلتقي عنده المتصادمان ، وحتما يخرجان بنتيجة ، فإما إصلاح مافسد على نفقة المخطيء، وهنا تتكفل شركة التأمين بالدفع والتعويض حسب شروط وثيقة التأمين. أو أن ينزل كلاهما من سيارته ويتبادلان بطاقات الهوية ، والهواتف متفقين على الذهاب إلى الشرطة ، او يتصافحان - وهذا يحدث دائما - ويتعاهدان على أن المخطيء منهما سيتكفل باصلاح الأضرار التي تسبب فيها للآخر.
لا يحدث مطلقا أن ترفع سيدة " آبو وردة" في موقف كهذا ، ولا يخرج رجل من سيارته ولو كان أميرا في قبيلة فيضرب "وافدًا" صدمه من الخلف او الأجناب أو غير ذلك. تصرف حضاري تماما ، لكننا لم نعمل على تكريسه في المحروسة ، رغم آلاف الجنيهات التي ندفعها عند الترخيص ، والتي لانعرف لماذا هي باهظة عندنا بهذا الشكل ومن دون ان تقدم لنا الشرطة خدماتها ، إلا فيما ندر ، فمن الصعب في مصر ان يقع حادث وتطلب الشرطة وتأتي في توقيت مناسب ، او تمارس العمل باحترافية ومهنية ، اللهم إلا فيما ندر !
مثل هذا الغياب يفتح الطريق أمام الردح والشتائم البذيئة ولعلعة أبو وردة أمام المارة ، أو رفع الصوت حتي يملأ الفضاء بالمخاوف ، او ينتهي الأمر كما رأينا - وذهلنا- ب"تهزيء" ذو القميص الأخضر المشجر ل "فلاح منوفي" في الطريق وتكسير زجاج سيارته !
عدوان صارخ وإهانة بالغة ممن حاول إيهامنا بأنه من طبقة أرقى ، و بدلا من أن يذهب إلى البحر ، نزل للشارع لتأديب فلاح منوفي ضال، لمس سيارته لمسة عادية ، لكنها كالشرارة التي فجرت عنده كل براكين الغضب !
---------------------------------
بقلم: محمود الشربيني