إصحوا بقا .. إصحي ياثومة وطوفي وشوفي .. وانت ياعم نجيب جمع فتواتك وحرافيشك وأيقظ عاشور الناغي، وليتك تناغي "الجبلاوي" كي يقف معنا يسندنا في معركة وسط البلد .. وياعم طه تأمل "الأيام " الغابرة والحالية .. و أنظر مجددًا ببصيرتك كيف هو مستقبل القاهرة ، على ضوء "مستقبل الثقافة في مصر" كيف سيكون؟ تأمل ماذا فعلت فينا السنين؟ أنت وعم صلاح .."عجبي" عليكم ، أيستبد بأرواحكم كل هذا الرقاد الحزين ؟!
إصحوا وصحوا كل الراحلين - الرموز الذين وسعهم التراب ، وماوسعتنا الأرض من بعدهم . هذه ليست أحلام "الفارس القديم" ياصلاح عبد الصبور .. دعك الآن من غضبة بهجت عثمان ، فلدينا غضب ساطع يزلزل أرض وطوب الأوطان !
دعوكم من أنكم مِتُم وشبعتم موتًا ، فقد حان - مجازًا - يوم القيامة الذي فيه تبعثون !
حان الوقت لإيقاظكم من الرقاد الطويل ، ف" الكلمة الآن للدفاع "، كما عنوان ذات مسرحية الرائع لينين الرملي (وفيها محام مثالي الشخصية - يوتوبي الأفكار - تدفعه مبادئه ومثاليته للقيام بأفعال غريبة في الحياة ، لكنه يعتقد بأنها الصواب وطريق الحق المطلق الذي ينبغي السير فيه) .
محمود المحامي - وربما شاطره في مثاليته في الحياة محمود الصحافي - بطل مسرحية الرملي يتصادم مع مجتمعه ، فبحسب مبادئه ومثاليته يصطرع مع هذا الواقع ومع الحياة ، صراعًا بين ماهو كائن وما ينبغي أن يكون.. أليس هو مايحدث الآن ؟!
يقودنا إصطدام - المحمودان - بالواقع إلى طرح أسئلة عن المثالية في الحياة وأين ومتى توجد ، و سؤال آخر حول عدالة الحياة نفسها.. هل هي كذلك ؟ هل يمكن ان تتحقق المدينة الفاضلة ؟ ربما يمكن ذلك في حالة واحدة : إنعدام الإنسان !
هل مازلنا فرسانا نمتلك مباديء وقيما ندافع عنها ، وآراء نعتقد بصوابها ؟ إذا كان الحكيم نيتشه يقول : "لن نحترق من أجل آرائنا لأننا غير متأكدين منها ، لكن يمكننا الاحتراق من أجل حق امتلاك وتعديل آرائنا".. فإننا وإن كنا نخالفه في مايتعلق بعدم التأكد من آرائنا ، إلا أننا نوافقه تماما على أننا يمكننا الاحتراق من اجل حق امتلاكها وطرحها وتعديلها .
هل نحن نقبل التعايش مع "وسط قاهرة جديد"، بمذاق وطعم وروح المستثمر الإماراتي محمد العبار ؟ أسأله وأسالكم : فمن أين سيستلهم هذه الروح؟ من أي معين ثقافي وحضاري وهو لم يلتق عمدة المعماريين سيد كريم ولا يعرف شيئا عن حسن فتحي المعماري العالمي؟ ألم نسمع عن - أو نشاهد في - أي مبني شيده في الساحل ، شريره وطيبه ، بأن "عبار الإمارات " هذا عبر عن روح المعمار المصري المميز ، وكأن أحفاد المصريين القدماء لم يشيدوا الاهرامات والمعابد والقلاع والحصون والمسلات .. والتي تلهب خيال العالم بأسره حتى اللحظة !
إنها الفلوس .. "من أجل حفنة دولارات" .. و"من اجل مزيد من الدولارات" .. وسبائك الذهب ، وكأننا في فيلم ويسترن غربي يطل برأسه مجددًا ، فيوقظ "جون واين" و"لي فان كليف" والأساطير : جوليانو جيما وتشارلز برونسون وتيلي سافالاس ودين مارتن .. وراكيل وولش ، وجوانا مور وباتريشيا بلاك إلخ . يقينا في القلب من هؤلاء النجوم "كلينت ايستوود ".. الأسطورة الحية .
كل هولاء النجوم والنجمات شاهدناهم في دور السينما التي تحمل ذكرياتنا وأحلامنا وشقاوتنا وتصعلكنا في أزمنة غابرة ..من بيجال وكوزمو في عماد الدين إلى ريفولي وديانا وليس انتهاء بقصر النيل !
تذكر كم مرة تأبطت حبيبتك ذراعك وهي تبتسم في سعادة وحبور وأنت تدخل معها إلى إحدى هذه الدور ، تمنون نفسيكما باختطاف قبلات ساخنة ، ليس تحت بير السلم التي لطالما خطفت بكل مخاوفكما من الضبط والتكدير ، وإنما على ضفاف ظلمة قاعات السينما وأفلامها الشهيرة المؤججة للمشاعر مثل love story و ذهب مع الريح وكازبلانكا وعربيًا مصريا "حبيبي دائما لنور الشريف وبوسي ".
تذكروا مرات دخلتم فيها أميركين طلعت حرب أو إكسليسيور أو جروبي ؟ هذان الأخيران - وثالثهما شبرد العريق .. وغيرهم - تحت" التسقيع " حاليًا ، وما أدراك ما التسقيع - رغم أننا مازلنا نعيش أجواء قيظ أغسطس .. وأحزان سبتمبر اللعين، بكل الوطنيين الراحلين فيه !
مغلقة.. كثير من فنادق - ومرافيء - الذاكرة ، ذكرياتنا الغالية البديعة الروحانية التى كنا نلتقط لحظاتها الإنسانية الدافئة ، ونسجلها صورًا بكاميرا ال "ياشكا" الشهيرة ، فيما بعد بكاميرا" بولارويد "، عشنا وصورنا أنفسنا جماعات ونحن عند نافورة تمثال رمسيس الذاهبة منذ زمن إلى منفاها الإجباري ، او عند ايس كريم العبد ، او عند الاهرامات ، وفي قداس عيد الميلاد وصلاة الجماعة في الميادين وقت الأعياد ، وكل هذا استبدلناه الآن بكاميرات الموبايل ، في صور بلا روح ، لا نحتفظ بها في ألبوم من مكتبة النهضة ، لم تعد اكثر من مجرد لقطات بلا روح .. لاتطبع عند مصور الاستديو ، وإنما تحفظ في "الميموري" ،وقلما ندردش حولها بضحكاتنا الطفولية ونحن نشاهدها جماعيًا في ألبوماتنا الخاصة ، خنقنا ذكرياتنا بعد أن خنقنا أماكنها، فأغلقنا - بالفلوس - كثيرًا منها ، وربما طمسنا معالمها الأصلية على وقع تسارع حياتنا اليومية، التي اجتاحنا فيها إعجابنا بأكلات العم سام ،كلها للأسف ، من برجر كنج إلى بيتزاهت ومنهما إلى كنتاكي وصب واي .. ويشذ الآن عن القاعدة بعض المحال اتخذت ضدها حديثًا إجراءات مؤخرًا وصمتها بأنها "سيئة السمعة". أشهر ما في مصر من أشياء وصمت بسوء السمعة ، كان القوانين المقيدة للحريات ، قد نأكد نسور وجوارح توفيق عبد الحي ، لكننا لم نهضم قوانين المقصدارات الذين يفصلونها .
يتجمع المئات كل يوم أمام محال شاورما فلان وعلان ، "ولبن ومالبنش" .. وترزية القوانين لم يذهبوا إلى الجحيم ، ولم يتوقفوا عن قوانينهم النافقة إنسانيا ، ومع هذا يبقى في شارع كريم الدولة حزب يساري يرفض كل هذا الاستلاب للحق والخير والعدل والحرية ، الإقبال على مقره ضعيف ، فيما الإقبال على مكتبة مدبولي التاريخية ، التي تتصدر واجهة الحزب من ناحية ميدان طلعت حرب ، قليل أيضا ، ولكن الإقبال على "العبد" وماكينات صنع الآيس كريم الشهيرة عنده في تزايد مستمر ؟ ترى مامصيرها ومصير العبد وزلط وmm وهيئة الاستعلامات بعد أن وضع العبار العجيب عينه وقلبه وعقله واستثماره على وسط البلد ؟
كيف سيهز العبار العجيب وسط البلد .. وسط القاهرة الأكثر شهرة من كل المعالم الأخري ، بجوامعه التاريخية الرهيبة (جوامع الولاة خمسة وجوامع الفاطميين ٥ وجوامع المماليك ١٥ وجوامع العلويين ٣ وجوامع الأولياء ٧ وفقا لحمدي أبو جليل في كتابه الجامع القاهرة جوامع وحكايات ) ما الذي سيفعله العبار في كل هذا التاريخ ؟ وكيف يطور جامع الكيخيا أو السلطان حسن أو الجامع الأزهر؟ هل سيفرض رسوم دخول على هذه الجوامع التاريخية أهم أعمدة القاهرة التي شهدت جانبا من الدعوة للنضال ضد الغزاة العثمانيين والفرنسيين والإنجليز ، ووقف عبدالناصر لأول مرة خطيبا على منبر جامعها الأزهر يشحذ همم الناس، من أجل صد العدوان الثلاثي عام ٥٦.. ولو ب " بغطيان الحلل " مصرًا على أننا سنبني السد العالي ولو "بالمقاطف " .
هل سنذهب إلى جروبي مجددا؟ ربما محاولة العبار الاستثمار في وسط البلد - و التي يجب منعها من حكومتنا ومن شعبنا - ولو بإلباسه نظارة سوداء تحجب عن عينه رؤيتها ومناطق الجمال التي نحفظها شقًا شقًا.. ربما يقدم لمالك جروبي المليونير عرضا لايستطيع أن يرفضه ، وفي هذه الحالة قد يتحول جروبي إلى هارودز جديد في قلب عاصمة مصر المحروسة ! كل دور السينما وأماكن الطعام والشراب القديمة ( آخر ساعة والتابعي وبحة والدهان وفسخاني الخول ومطعم الركيب وحاتي عوف وفول الجحش في السيدة وبار عرابي الذي كان يقيم فيه آناء الليل وأطراف النهار الفنان الحزين الصوت شجيه محمد حمام .. هل يضع العبار عينه على كل هذا الجمال ؟
مارأي كتابنا الكبار أحمد الجمال وهو من معالم ورموز رواد وسط البلد ؟ مارأي عادل حموده وعمار على حسن ونبيل عبد الفتاح الذي أشفق عليه كثيرا ، فساعتئذ لن يجد مكانا يذهب إليه ليلا او نهارًا فلا أحد يعلم مصير جريدة الأهرام.. ولا وسط القاهره محله المختار، ومحلنا أيضا!! هل تعرفون انتم ؟
الحملة مستمرة
_----------------------------------------
بقلم: محمود الشربيني